ولنضرب الآن أمثلة من التقدم في دائرة معامل البحث ونشير إلى شيء من المقدرة التي أبداها العلماء في القيام بالتجارب العلمية. ولعل في إشارتنا ما يجعل جماعة ممتهني العلوم الكيميائية والطبيعية الذين يشبهون في حياتهم كيميائي القرون الوسطى - وهم كثيرون بيننا يستفيدون من الرجوع لهذه المقالات. ويقيننا أنهم إذا طالعوا بإمعان ما تتضمنه مقالاتنا سيطفئون مشاعلهم التي أفسدت الجو بدخانها ويفارقون بوادق صهرت الكثير من نقود أصحابها ويوقنون أن قصة المعامل اليوم تخالف قصتهم وأن العلماء اليوم متجهون اتجاها آخر في مباحث بلغت من القوة شأوا حمل الناس على الإيمان بها والتسليم بسموها وعظمتها.
خذ مثلاً من العلم التجريبي كان النجاح فيه لأستاذين لازمناهما وجاورناهما في معاملهما طويلاً هما كوتون وموتون، ففي سنة ١٩٠٦ استطاعا بإنارة معينة للجسيمات الميكروسكوبية أن يكتشفا ما نسميه اليوم الألتراميكروسكوب وهو ميكروسكوب عادي إلا أن الجسيمات المراد فحصها تضاء بطريقة تسمح برؤية الجسيمات المتناهية في الصغر والتي لا يكشفها الميكروسكوب أو على الأقل تسمح برؤية مواضع هذه الجسيمات، خذ النتائج السريعة لمثل هذا الاكتشاف العلمي فقد استطاع جان بران في سنة ١٩٠٨ أن يتتبع حركة جسيمات صغيرة جداً كالجسيمات المعلقة مثلاً في نقطة من الحبر وهي حركة مبنية على قوانين الصدفة إلا أنها نوع من الصدفة المنظمة - أما سبب حركة هذه الجسيمات فهو حركة دائمة في جزيئات الماء نفسه التي تتصادم مع هذه الكرات المعلقة في السائل فتحركها معها، وهذه الحركة الدائمة في كل سائل هي التي تسبب ضغط السائل على جدران الإناء. وقد استطاع بيران (بإدخال حسابات قام بها العالم المعروف أينشتاين) أن يدرس نظام توزيع هذه الجسيمات الصلبة داخل السائل واستنتج من ذلك نتائج علمية عظيمة الأثر منها تحديده لعدد جزيئات الغازات في حجم محدود ومنها معرفته لشحنة أصغر جسيم كهربائي أو وحدة الكهرباء (الإلكترون
وللإلكترون أهمية كبرى ويكفي أن يعرف القارئ أن العلماء يتجهون الآن إلى تحديد كل ما نراه وحصر كل ما يكون العالم في أربعة أنواع من الجسيمات المتناهية في الصغر هي