هو ضرب من ضروب الفكر ونحو من أنحاء النظر، لا يذهب في بحثه وراء حجب الطبيعة وأستارها، بل يحصر نفسه في نطاق الطبيعة وحدها، يتقصى بالنظر ما شاء من وجوهها، ثم يقنع بهذا فلا يعدوه قيد أنملة. عنده أن الحقيقة التي لا حقيقة بعدها هي هذه الطبيعة التي تراها بعينك وتلمسها بيديك، وهي هذه الأرض وتلك السماء وما بينهما من أحياء وأشياء؛ أما أن تبعثك الطُّلَعة فتحاول أن تنفذ ببصرك إلى ما وراء ذلك، زاعماً أن ما تدركه الحواس عبث باطل، وأن الحقيقة الخالدة هي شيء مستور وراء هذه الحجب الصفيقة، فخداع وجهل في رأي هذا المذهب، إذ يرى أشياعه أن الطبيعة لا تبطن شيئاً وتظهر شيئاً آخر، بل هاهي ذي قد عرضت بضاعتها لمن شاء تحت السمع والبصر، وهي تسير وفقاً لقانون صارم جازم لا يشذ ولا يلين، فهو يسيطر بقوته على الكون بكل ما يحوي بين دفتيه؛ ثم ينهانا أتباع هذا المذهب أن نلقي بالا إلى ما قد يزعمه الزاعمون أن هنالك فوق الطبيعة حقيقة خالدة يدركها الفكر وتقصر عن إدراكها الحواس، فهم لا يصدقون أن يكون ثمت غير ما نرى أو أن يكون في الطبيعة شيء لا يخضع لقانونها خضوع الجماد الصامت، ولا يستثنون من قاعدتهم الإنسان بكل ما فيه من حياة وفكر وخيال لأنه في رأيهم هباءة في يد الطبيعة تطوح بها يمنة أو يسرة كيف شاء لها قانونها الجبار، وإن الإنسان ليخدع نفسه حين يوهمها أنها أرفع من الجماد منزلة وأسمى مقاماً؛ فإن اعترضت على رجال المذهب الطبيعي بأن قانون الطبيعة لا يفسر كل شيء، وأن هنالك آلافاً من الحقائق التي تنتظر الشرح والتعليل أجابوك أن ذلك رهين بالعلم وحده. فلن يفتأ العلم يجد في كشفها ويسعى، ولن تزال هي تبدو في ضوئه واحدة في إثر واحدة.
وينقسم المذهب الطبيعي إلى شعب تتعدد بتعدد إدراك الإنسان لماهية المادة التي تملأ الكون؛ فإن رأيتَ أن قِوام الطبيعة ذرات مادية تتحرك في المكان، وأن كل ظاهرة من ظواهر الطبيعة لا تعدو أن تكون مجموعة متراكمة من تلك الذرات فذلك هو المذهب المادي؛ وإن اعتبرت المادة نفسها ضرباً من ضروب الطاقة والقوة، فذلك هو المذهب