تثير المشاكل العسكرية والسياسية المالية الحاضرة كثيراً من التأملات؛ وأول ما يلاحظ فيها أن أساليب الحرب والكفاح المادية بين الدول قد طرأ عليها تغيير جوهري حاسم، هذا بينما نرى أساليب الكفاح السياسي تقوم في جوهرها على نفس الأسس التي قامت عليها منذ قرون، ويكفي أن نرجع إلى عشرين عاماً فقط، أعني إلى الحرب الكبرى، لنرى إلى أي مدى هائل تطورت أساليب الحرب؛ ففي أثناء الحرب الكبرى كانت الحرب الجوية لا تزال في بدايتها، وكانت المخترعات والأسلحة الجديدة المهلكة مثل الغازات السامة والدبابات لا تزال في دور التجربة، ولم يعلم يومئذ مبلغ فعلها أو أثرها في تطور أساليب الحرب. أما اليوم فقد غدت الأساطيل الجوية أروع وأفعل وسائل الحرب السريعة المهلكة، وغدت الغازات السامة سلاحاً يعتمد عليه ويحسب حسابه ويتحوط لدرئه والوقاية منه في جميع الأمم المتمدنة، وغدت الدبابات الضخمة وحدة فنية ثابتة في معظم الجيوش الكبرى؛ وهذه أمثال فقط مما ذاع وعرف من أسلحة الحرب المعاصرة، ولكن لا ريب أن هناك أسلحة ووسائل مهلكة أخرى لم تعرف ولم تذع بعد، وإن كنا نسمع عنها بعض الروايات الغريبة المدهشة، ومن المحقق أنها يوم تنشب حرب عالمية جديدة، أو حرب طاحنة بين دولتين عظيمتين، ستقع على العالم وقع الصواعق، وتحدث ثورة جديدة هائلة في أساليب الحرب والقتال.
ونرى من الجهة الأخرى منظراً غريباً من مناظر الكفاح الدولي الحديث هو العقوبات الدولية، فهناك اليوم زهاء خمسين دولة من دول العالم، وبينها عدة من الدول العظمى، تبحث في جنيف في فرض عقوبة جديدة على إيطاليا تكون حاسمة في وقف اعتدائها على الحبشة، وذلك بعد أن فرضت عليها العقوبات الاقتصادية الإجماعية وأحدثت في شؤونها الداخلية والاقتصادية أزمات ومتاعب شديدة، وهذه العقوبة الجديدة تنحصر في حظر تصدير البترول والحديد والفحم إلى إيطاليا، والمقدر إن تنفيذ هذه العقوبة يكون ضربة قاضية على المغامرة الإيطالية في الحبشة، وإنه يؤدي سريعاً إلى شل الحركات العسكرية الإيطالية، لأن إيطاليا تعتمد على الخارج في استيراد هذه المواد الحيوية اللازمة لتموين