أسطولها وطياراتها ودباباتها، وكل حركاتها ومشاريعها العسكرية، وحرمانها من هذه المواد يقضي على كل هذه المشاريع والحركات، ويجعل من أساطيلها وطياراتها ودباباتها قطعاً من الحديد والصلب لا حياة فيها؛ ثم نرى الدول تذهب في تفكيرها إلى أبعد من ذلك، فتقدر أن إيطاليا قد استوردت من هذه المواد ما يكفيها زمناً، أو أنها ستظفر على أي حال باستيراد البترول من إحدى الدول التي لا توافق على حظره، فتفكر في وسيلة أخرى هي حظر نقل البترول إلى إيطاليا على سفن الدول المشتركة في توقيع العقوبات، وهذه الدول محدودة معروفة، وإيطاليا لا تملك من سفن نقل البترول ما يكفي لاستيراد ما تبغيه
فهذه وسائل جديدة مبتكرة في ميدان الكفاح الدولي؛ ولكنها لا تخلو من روح القديم أيضاً، بل لا تخلو من وسائله، فهي في الواقع نوع من الحصار السلمي العام، وهي تؤدي إلى نفس النتائج التي يؤدي إليها الحصار العسكري أو البحري، وكل ما هنالك أنه قد أسبغ عليها تأييد دولي عام يجعلها بعيدة عن صفة النضال الشخصي أو المباشر؛ ويقدم إلينا التاريخ الحديث مثلا من هذا الحصار العام الذي يراد به إذلال دولة أو سحقها بالوسائل الاقتصادية، وهو القرار الشهير الذي نابوليون في سنة ١٨٠٦ والذي يعرف بقرار برلين نسبة إلى البلد الذي صدر فيه؛ فهذا القرار يقضي بوضع الجزائر البريطانية في حالة حصار تام، وبأن تقطع فرنسا وجميع الأمم التابعة لها جميع علائقها الاقتصادية والمالية مع إنكلترا، وأن تقفل جميع الثغور الفرنسية وثغور الأمم التابعة لها في وجه السفن البريطانية؛ وكان نابوليون يرمي بتنظيم هذا الحصار الاقتصادي المطبق إلى سحق تجارة إنكلترا التي هي سر عظمتها وغناها بعد أن عجز عن مكافحتها بالوسائل العسكرية، ولكن إنكلترا أجابت على هذا الحصار بتنظيم المقاطعة التجارية والبحرية ضد فرنسا واتخاذ الإجراءات الانتقامية المماثلة؛ وقد عانت إنكلترا مدى حين آثار هذا الحصار المرهق، ولكن فرنسا عانت أيضاً من آثاره، ولم يوفق نابوليون إلى تحقيق غايته، إذ كانت سياسته قائمة على الغايات والاعتبارات الشخصية، ولم تفز بنوع من التأييد الدولي العام؛ ومن الواضح أن العقوبات الاقتصادية التي توقعها الآن عصبة الأمم على إيطاليا تقوم على فكرة مماثلة في القصد إلى إضعاف الدول المعتدية (إيطاليا) وإخضاعها بالوسائل الاقتصادية، وهي وسائل فعالة في عصرنا، ولكن الفرق بين قرار برلين، وقرار عصبة الأمم أن قرار العصبة يفوز