(في تاريخنا الزاهر دماء زكية خالدة خطت آية المجد الكبرى
ورسمت حدود عالم إسلامي واسع)
ع
جلس (أبو عامر بن صيفي) ومن حوله فئة من شباب (الأوس) قد غلظت أكبادهم، وقست قلوبهم، ورسمت المعارك التي خوضوها مع أعدائهم آثارها في وجوههم الكالحة المربدة. جلسوا مطرقين يسودهم صمت ثائر قلق. . . وكانت عيونه ترمق زعيمهم (أبا عامر) بنظرات ملؤها الإكبار والإجلال، ولكنهم لفرط مهابتهم له، وخضوعهم لسطوته، لم يجدوا من أنفسهم الجرأة في النظر أليه، والتبسط في الحديث معه، بيد انهم يعلمون أن من واجبهم أن تكون أيديهم دائما على مقابض سيوفهم ليسلوها من أغمادها إذا ما بدرت من زعيمهم أي إشارة لهم.
وكانت المدينة - إذا ذاك - تضج بالتكبير، ويتعالى في جنابتها هتاف يشق عنان السماء من هذه المواكب الفرحة التي زحفت إلى ظاهر المدنية وتسلقت أعلى النخيل، ترمق الأفق البعيد وترنوا إلى قافلة النور والإيمان. . . التي خرجت من مكة مهاجرة في سبيل الله. وتناهت إلى أسماع أبي عامر وأتباعه في مجلسهم ذاك، أصوات ناعمة رقيقة كأنها تسبيح الملائكة في الملأ الأعلى. فوقف (أبو عامر) يستطلع الأمر نبأ هذه الأصوات ووقف من حوله فتيانه ينظرون، فرأوا صبايا يثرب بأيدهم الدفوف، يسرون في موكب حافل جذلات غردات. . . وهن يرتلن نشيدهن الساحر: