للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حول اقتراح وزارة المعارف]

توحيد الثقافة العامة

ونريد بالثقافة العامة القدر المشترك من المعرفة بين النشء في طوري التعليم الابتدائي والثانوي. وهذا القدر أشبه بالغرار يطبع عليه آحاد الشعب فيتحدون بالهوى ويتفقون في الطبع ويتقاربون في الرأي ويتسايرون إلى غاية واحدة تتجه إليها القوى وتصلح عليها الجماعة. وهذا المثال أو المنوال فقدته مصر والعالم منذ اقتبسنا المناهج الحديثة في التعليم، والنظم الأوربية في الحكم فكان في كل قطر من أقطار الإسلام ثقافتان مختلفتان في الخطر والأثر، إحداهما تقوم على الدين المشروع والسنة الموروثة وما يتصل بها من خصائص الجنس وتقاليد الشرق وأساطير التاريخ، والأخرى تقوم على أساس سطحي من أدب الغرب ومدنيته وعقليته ونظمه. والثقافة الأولى غالبة لصدورها على الفطرة والعقيدة والوراثة والبيئة. أما الثانية فكانت لنبوها عن الطباع تنال العقول والقلوب في أناة ورفق، وتغزو الرسوم والأوضاع في حذر وحيطة، حتى تم للغرب فتح الشرق فنشر فيه حضارته وثقافته بالإيحاء والإغراء والقوة. وهناك أخذ التنازع بين هاتين الثقافتين يفعل في الحياة فعله، فغير الوجهة وعوق السير وشعَّب الرأي وشتت الوحدة؛ فلم يكن للقائمين على سياسة التعليم بد من الطب لهذه العلة تفادياً لما ظهر من سوء أثرها في سياسة الدولة وإنهاض الأمة

وهاهي ذي وزارة المعارف تفكر أخيراً في توحيد القالب الثقافي في المدارس المدنية والمعاهد الدينية على وضع لا تزال تفاصيله مجهولة، لأن الفكرة ما برحت تتردد بين دار الوزارة وإدارة الأزهر. فإذا عرضنا لها اليوم فإنما نعرض للأساس الذي لا يتغير في التفصيل ولا في الجملة:

ليس بسبيلنا أن نبحث في أي الثقافتين أدنى إلى الإصلاح وأولى بالأخذ، فإنا نؤمن بأن لقانون التطور حكماً لا يدفع، وأن للتلاقح الاجتماعي بين الحضارات والثقافات أثراً لا ينكر في تمدن الإنسان وتقدم العالم. ولكننا نعتقد أن تغليب التعليم المدني بمنهاجه الحاضر على التعليم الديني أمر لا يغب غير الضرر؛ فإن التعليم المدني لا يزال عاجزاً يتلمس طريقه المطموس بين الاضطراب والفوضى، لا يقف عند تقليد، ولا يطمئن إلى تجربة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>