ولا يستقر على نظام. وقد أسفرت أكلافه وجهوده مدى نصف قرن عن جيل مشياً الخلق مشوش العقل ناقص الكفاية مشكل الوضع، فلا هو قارئ ولا أمي، ولا هو شرقي ولا غربي، ولا هو ديِّن ولا ملحد. وقد وسمه كلُّ عمل بالعجز، ورماه كل مشروع بالفشل، فلم يستطع إلا بث الضجر في الناس، ونشر الفساد في المجتمع، وإشاعة السخط على الحياة.
وأما التعليم الديني فكان على جموده وقصوره أهدى سبيلاً إلى الإصلاح، وأرجى منفعة للأمة، فقد دأب دهره الطويل بثقف الأفئدة، ويقوّم الألسنة، ويزود أتباعه بالأسلحة المواضي لمحاربة الرذيلة والأمية، فيرجعون إلى قومهم في المدن والقرى والضياع يتغلغلون فيها تتغلغل النيل، فيرشدون الغوي، ويعلمون الجاهل، ويؤاسون المصاب، وينشرون ظلالاً من الدين والمعرفة والمدنية على حياة الفلاح فبسعد بالسلام والوئام والبركة، بينما تجد (الأفندية) يتسكعون على أفاريز الطرق، أو يتقمعون على موائد المقاهي، ينتظرون وظيفة يعيشون عليها، أو جريمة يدخلون فيها
على أن التعليم الديني ليس صالحاً كله، والتعليم المدني ليس فاسداً كله؛ وملاك الأمر هو مزج الخير في هذا إلى بالخير في ذاك، فيكون منهما قوام صالح تتماسك عليه الأخلاق وترتقي به المدارك. وليس في التعليم الأزهري خير إلا في عناصره الأساسية الثلاثة: الدين والعربية والشرقية. فاحتفظوا بها واجعلوا ما عداها درج الرياح. اجعلوها بعد تنقيتها وتقويتها أساساً للثقافة العامة، فإن في الدين رياضة الروح، وفي العربي ثقافة الشعور، وفي الشرقية سلامة الشخصية. ولا يضيرنا إذا قام التعليم على هذه الأسس الثلاثة أن يكون ما تتعلمه أوربياً محضاً لا أثر لعلومنا فيه، ولا صلة لكتبنا به
نريد أن تبسط (المعاهد) سلطانها على التعليم في هذه الأمور الثلاثة، ثم تعلن للمدارس إذعانها فيما عدا ذلك. ولا يتحقق هذا السلطان إلا إذا كان لمادتي الدين واللغة حظ موفور من منهج المدرسة وكفاية المدرس وعناية الوزارة
فإذا سار الأمر في تعليمهما على الوجه الذي يسير عليه في المدارس الابتدائية والثانوية، اضطربت القواعد في الجامعة الأزهرية وأصابها من وهن الأساس وتصدع الجوانب ما أصاب كلية الآداب في الجامعة المصرية، فتبنى على الرمل، وتعتمد على الخواء، وتكتفي بهذه العناوين الضخمة والألقاب الفخمة والمظاهر الخداعة، ثم لا نكون قد فعلنا أكثر من