يقوم عمران البلاد على نتاج العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية، ودماره يقوم على هذه أيضاً.
المدينة الغربية الحديثة هي مجموعة الاختراعات المادية العملية العجيبة التي أثمرها هذا العقل الإنساني القدير في القرن الماضي ونصف الحاضر مستندة إلى العلوم الرياضية والطبيعية ومقترنة بتوسع الشؤون الاجتماعية من اقتصادية وسياسية وصحية.
وأسوأ مساوئ هذه الاختراعات التي تعاظم شأنها مع تقدم العلم أنها كانت أفعل العوامل في تقويض العمران وإطفاء نور المدنية. فما ابتكرته هذه المدينة الحديثة من علم واختراع كان مقوضاً لأركانها وهادماً لبنيانها. وقد يكون في المستقبل العامل الوحيد لفنائها (كدودة القز ما تبنيه يهدمها).
سطعت هذه المدينة الغربية حتى غلف ضياؤها سطح الكرة الأرضية، وكادت تغمر النوع الإنساني بلوامع السعادة والهناءة، لولا ما اعتورها من غياهب النزعات السياسية والاقتصادية، فكانت هذه النزعات تثير ثورات الشعوب والأقوام بعضها على بعض فتطفئ تلك اللوامع بألوف منتجات الكيمياء والبخار والكهرباء التي تمتع بها العالمان القديم والجديد مما يعمله كل إنسان وبألوف تلك المنتجات وما أضافته عقول الحرب إليها يتدمر الآن عمران العالم كله. لذلك يقول بعض قصار النظر:(لا كان العلم والاختراع ولا كان هذا الدمار).
وقد خفي على هؤلاء أن الذنب ليس ذنب العلم والاختراع، وإنما هو ذنب هذا العقل الإنساني العجيب الذي ابتدع هذا العلم الأرضي الباهر، ولم يبتدع إلى جنبه خلقاً سماوياً ساطعاً.
لهذا أمكن جيش الشياطين والأبالسة أن يغزو ملكوت الإنسان ويفتحه وستتب فيه ويملكه. فليس الذنب ذنب العلم، بل هو ذنب النفس الأمارة بالسوء، أصلح النفس وطهرها فيطهر العلم من عوامل الشر ويعمل للخير وحده. ماذا كان نصيب الشرق من هذه المعمعة التي التحم فيها العقل المبدع والنفس الأمارة بالسوء.