كان أن الشرق سرق من فردوس الغرب بعض ثمار علمه وشاركه بالتمتع بها ولكنه لم يشاركه في فلاحة ذلك الفردوس وزراعته. على أنه لما جاء دور التدمير أصاب الشرق ما أصاب الغرب من ويلات التدمير. وأقل ما منى به الشرق أنه ازداد عبودية للغرب في السياسة والاقتصاد وغيرهما، وبالتالي أصبحت سعادته الحيوية متوقفة على الفضلة من سعادة الغرب. وهذا الفقر في السعادة جزاء ذلك الفقر في العلم. وكيف يمكن أن تغتني بالسعادة ونحن لم نشترك مع الغرب في تحصيلها بل نسرق فضلاتها منه؟
لا يمكن أن نرفع عن رقابنا نير العبودية للغرب إذ لم نباره في العلم العملي والاختراع والاصطناع. لو كان لنا علم وقوة اختراع وأمكننا أن نخترع الطيارة واللاسلكي والبارجة والغواصة، إلى غير ذلك مما لا يحصى من الاختراعات لاستحال على الغرب أن يستعبدنا وأن يبتذ ثرواتنا وأن يزعزع كياننا وأن ينغص عيشنا.
أخذنا العلم الحديث عن الغرب فلا حرج، ولا عيب أن نقتبس العلم منه. الغرب اقتبس قلبنا من الشرق. ولكن أية فائدة عمرانية استفدنا من هذا العلم؟ هل استفدنا منه أن نخلص من الاتكال على الغرب؟ هل استطعنا أن نستقل عمرانياً أو اقتصادياً على الأقل؟
منذ بنى خزان أسوان إلى اليوم ونحن نتحدث عن توليد الكهرباء منه. واصطناع السماد بواسطتها فلماذا لم نولدها؟ - ليس ذلك لأنه لا يوجد عندنا رأس المال اللازم لهذا العمل العظيم، ولا لأن الحكومة عاجزة عن تقديم المال، ولكن ليس عندنا مهندسون كهربائيون ويجرءون أن يقدموا على هذا العمل أو يوثق بكفايتهم. وليس عندنا الآلات والأدوات اللازمة لهذا العمل ولا مصانع لها عندنا. ولذلك نعرض المشروع على المهندسين الأجانب مضطرين. فإذا لم يتفق الأجانب معنا على هذا المشروع لا يتكهرب خزان أسوان. وقس عليه كثيراً من المشروعات الاقتصادية العمرانية الكبيرة التي نحن محرومون منها لقصور فينا. إذا فماذا استفدنا من هذا العلم الذي اقتبسناه؟ ما استفدنا إلا أن شبابنا حصلوا على بعض الثقافات الفنية العملية التي تمكنهم من الارتزاق فقط. ولكن بعد الحصول على وسائل الاسترزاق لم يستمر المثقفون في طلب المزيد من العلم بعد الحصول على الدبلوم التي توصل إلى حرف الارتزاق. قلما نرى مثقفاً يستمر في الدراسة بغية الاسترداد من المعرفة، ولا ترى مثقفاً قصد البحث في العلم بغية اكتشاف نظرية علمية أو استخراج