حقيقة جديدة. والأرجح أن معظم الذين تخرجوا وغنموا الشهادات التي تخولهم حق العمل لم يعودوا يفتحون كتاباً لترويض عقولهم وتوسيع معارفهم لكي تحفز أذهانهم للبحث والتفكير والاستنباط.
أكسلا كان هذا الإهمال أم عجزاً أم ضعفاً عقلياً أم قلة ثقة بالنفس وتمادياً في الاتكال على الغرب؟
فلقلة اكتراث المثقفين بالمطالعة لا نرى في مطبوعاتنا اليومية إلا النزر اليسير من المؤلفات العلمية المفيدة التي تحتوى على كل ما استجد من الحقائق العلمية، وكل يوم تظهر معلومات جديدة في العلم. ولكن الذين كانوا في معاهد العلم قبل ظهورها لم يقفوا عليها لأنهم لم يجدوها في مطبوعاتنا الجديدة. وإذن فكأنهم لم يثقفوا الثقافة التامة.
لا نرى من المطبوعات الجديدة عندنا واحداً في المائة حتى ولا واحداً في الخمسمائة من المؤلفات العلمية التي تلم بكل جديد من العلم. لا نرى إلا مئات المؤلفات في الأدب والقصص واللغة والتاريخ الخ. ولكن بكل أسف لا تقوم المدنية على الأدب. ولولا ما نقتبسه من علم الغرب لكنا بلا مدنية عصرية نجارى بها العالم.
الأدب ليس قوام المدنية وإنما هو حلية لها. فإذا كانت المدنية مزينة بأجمل الحلي وأثمن الجواهر ولكن على بدنها أطمار الجهل العلمي فهل نقول إنها حسناء رائعة الجمال؟
وكيف تحيا وتترعرع وهي بدن سقيم وجسم ضعيف. وكيف يبدو جمالها وهي لا قلب ولا روح. ليس بالقصائد والقصص وروائع الأدب اخترعت الطيارة والسيارة واللاسلكي والسينما والمطبعة إلى غير ذلك من ألوف الاختراعات التي يتمتع بها البشر الآن. الأدب وحده لا يبنى مدنية أو عمراناً بل هو ثانوي في بناء العمران وإنشاء المدنية.
بكل أسف نقول إن الأدب طغى عندنا على العلم حتى كاد يختفي هذا وراء الغيوم، ولم يعد المثقف وقليل الثقافة يرى في سوق الطباعة إلا قليلاً من الأدب الجميل وكثيراً من الأدب السخيف. فكيف يمكن أن تكون لنا مدنية ذاتية خاصة بنا وغير مستعارة وغير مزيفة؟
لسنا فقراء في رجال العلم. ولكننا فقراء في قراء العلم حتى من المثقفين، وأغنياء بقراء الأدب الفكاهي وبقليل من الأدب الراقي الصافي. ولذلك قل الذين يؤلفون في العلم ويقدمون ثمرات العلم الحديث.