يريد الأستاذ السيد قطب أن يجعل مما سميته الهمس في الشعر نوعاً من الأدب يتميز بالإحساس الذي يغذيه فهو شعر الحنين أو (الحنية) كما يقول، وهو يحذر القراء من آرائي لخضوعها لطبع خاص أقرب إلى المرض منه إلى الصحة، ولكنني بحمد الله لست مريضاً، ولا أذكر أنني مرضت يوماً ما، وأنا على العكس سليم الجسم صلب البناء متمتع بكل قواي الجسمية والعقلية، وشخصي بعد ليس موضع الحديث، والهمس في الشعر ليس (الحنية)، ولا هو خاص بنوع من الإحساس، وإنما هو مذهب في الفن، مذهب عام لا يتقيد بمادة
أما تحذير القراء من آرائي فهذا ما أدعو إليه أنا أيضاً لأنني أمقت مبدأ (السلطة) ' وأعرف ما أصاب الإنسانية من أضراره المميتة خلال القرون الوسطى يوم كان الناس يؤمنون بآراء أرسطو لأنها صادرة عن المعلم الأول، لا لما تقوم عليه من بينات. ونحن في الشرق أحوج ما نكون إلى تحطيم هذا المبدأ الذي يشل عقول الناس فتستسلم لآراء هذا أو ذاك، والأمر في المسائل الفنية أشد خطورة، وذلك لأن الأذواق الفنية لم تتكون بعد لسبب واضح هو جهلنا بالآداب الأجنبية أو معرفتنا بها معرفة أضر من الجهل بها، وليس من سبيل إطلاقا إلى الادعاء بأن أدبنا العربي يكفي لتكوين ذوق أدبي صحيح
وإذن فأنا لا أريد أن أملي ذوقي على أحد؛ وذلك لأن الذوق وإن يكن من أعمق ملكاتنا البشرية في إدراك مواضع الجمال والقبح، إلا أنه لا يمكن أن يصبح وسيلة مشروعة للمعرفة التي لدى الغير، إلا إذا علل بأسباب عقلية وفنية ونفسية تستطيع أن توحي بمثل ما نحس به، وإلا أصبح ما نقول ادعاء كاذباً إن لم يكن نصباً.
ولقد حاولت تمييز (الشعر المهموس) بمعارضته (بالشعر الخطابي)، ولكنني فيما يظهر لا أزال محتاجاً إلى مزيد من الإيضاح. وهاأنا اليوم أتناول قصيدة للأستاذ محمود حسن إسماعيل، وجدتها مصادفة في عدد ٧ يونية سنة ١٩٤٣ من (الرسالة) بعنوان (حصاد القمر)
الأستاذ محمود حسن إسماعيل يذكرني دائماً بالمتنبي، ففي شعره رنين قوي تجده في بسطة