أوزانه وضخامة ألفاظه بل في بعض صوره الشعرية المجتلبة على نفس النحو الذي كان المتنبي يصطنعه متتلمذاً لأبي تمام. ولكني أبادر فأقرر أن شعر المتنبي غير شعر محمود إسماعيل في معدنه النفسي وفي رؤيته الشعرية
شعر المتنبي كشعر محمود إسماعيل من النوع الخطابي ولكن شاعر الحمدانيين كان شاعراً كبيراً. وأما صاحب (هكذا أغني) فشاعر يعيبه أمران خطيران:
١ - أولهما أن المتنبي نفس قوية عاتية متماسكة. عاطفة المتنبي مغلقة مركزة عميقة ولهذا قلما تلوح كاذبة. عاطفة المتنبي نار داخلية لا تراها وإن ألهبت اللفظ أو أوقدت الصورة. وأما إحساس محمود حسن إسماعيل فمفضوح؛ ويأبى شاعرنا إلا أن يزيده افتضاحاً بقصاصات النثر التي يعلقها فوق قصائده. وفي هذا ابتذال، للنفس عنه نفرة. عاطفة محمود إسماعيل (مطرطشة) حتى لتلوح (سراباً عاطفياً) كما يقول نقاد الإنجليز
٢ - ثانيهما اضطراب الرؤية محمود إسماعيل، بل إنني لأخشى ألا يكون له حقل شعري على الإطلاق، وهذا أمر يتضح لمن يراجع صوره في أية قصيدة من قصائده، فإنه لابد واجد بينها من التنافر ما يقطع بأنه لا يرى الأشياء رؤية شعرية صحيحة. تراه يجمع بين صور لا يمكن أن تكون وحدة للموصوف، ولو أنه حرص على الرؤية الشعرية الصادقة لرأيت التجانس الذي يعوزه. وأنا بعد أرجح أنه يلتمس الصور من ذاكرته لا مما يراه ببصره أو يدركه بحسه
ونحن عندما لا نجد لدى الشاعر العاطفة المتماسكة والرؤية الشعرية لا نستطيع أن نحكم بتفوق فنه؛ وذلك لأن الرنين الخطابي مهما بلغت قوته لا يمكن أن يسمو بالشعر. فلغيري إذن أن يعجب بقوة أسر محمود إسماعيل واستحصاد لفظه وغرابة صوره. وأما أنا فما دمت لا أستطيع أن أدرك ببصري حقيقة ما يصف ولا أن أسكن إلى نوع إحساسه، فإنني لا أتردد في رفض شعره وتفضيل (نعيمه) أو (عريضة) عليه وذلك لصدق شعراء المهجر في فنهم
وأنا بعد مؤمن بأن محمود إسماعيل يستطيع أن يصبح شاعراً كبيراً جداً وذلك لأنه يملك هبتين لا شك فيهما
١ - أولاهما روح الشعر. روح غفل ولكنها قوة من قوى الطبيعة. قوة تحتاج إلى التثقيف