للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحقائق العليا في الحياة]

الإيمان. الحق. الجمال. الخير. القوة. الحب

للأستاذ عبد المنعم خلاف

الإيمان

بقية الحديث في مصير الإنسانية

إن مصير الإنسانية ليس بالأمر الذي يمر عليه القلم بدون إلحاح في تركيزه في العقول وتبيين آثاره في الحياة وفي النفس. إنه الحياة كلها في رأي الدين، والعدم كله في رأي الإلحاد. وشتان بين الحياة كل الحياة، والعدم كل العدم فيما وراءهما من آثار! شتان بين أن يعتقد الإنسان أنه جنين في بطن الدنيا سيولد منها ولادة ثانية، وبين أن يعتقد أنه سيخرج منها سقْطاً مَسْبُوتاً هالكاً إلى غير رجعة! إنها مسألة عظمى في قيمة الإنسان وفي سكينته واطمئنانه إلى مركزه في الحياة.

إن الإنسان العادي غير الصوفي لا يحتمل أن يتلقى القول بأنه مخلوق للحياة هنا فقط، دون أن يثور على الحياة أو يقنط قنوطاً قاتلاً لحيويته.

لقد وصل القول عند بعض الفلسفات إلى اعتبار الإنسان مظهر الإلهية أو شرارة من روحها! فكيف إذاً ينطمس هذا المظهر، أو تنطفئ تلك الشرارة؟

ثم لنرجع إلى ما يثبته العقل للخالق من حكمة وعدل تقتضيهما ضرورة الكمال الإلهي الذي لا يستطيع العقل أن يستغني عنه كصفة ثابتة للإله، فنتساءل: هل في الدنيا مع آلامها وشرورها عدل مطلق؟ يجيب المؤمن والملحد عن ذلك جواباً واحداً: كلا! ثم يفترقان، فيذهب المؤمن إلى أن كمال العدل المطلق وراء هذه الحياة، في تلك الحياة المثالية التي فيها كل خيالات الكمال وأطياف السعادة التي طافت بأحلام كل الناس وسكنت رؤوس الفلاسفة والحكماء، أوجدها في نفس الإنسان إلهام عميق خفي لتتم الصورة العقلية للكمال الإلهي. وفي هذه المقدمات وفي نتائجها المستمدة من منطق الطبع ومنطق التجريد راحة النفس المؤمنة وسكونها وطمأنينتها.

أما النفس الملحدة فماذا عساها أن تصنع غير طيران خواطرها في فراغ لا قرار له؟ إنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>