لا تملك أن تسقط على قرار حتى تتحطم فتستريح! ومِلاكُ ما تنتهي إليه إن حياتها كحياة تلك الحشرات والديدان التي (تعيش) على الروث والعفونة في الظلمات ثم تموت عليها وتدفن فيها! ولْتَحْيَ بعد ذلك السموات أو فلتسقط! ولتكن هذه العوالم الزاخرة بالعلوم والجمال والعجب العجاب لتراها فقط أشباح تلك الحشرات الصغيرة والكبيرة من بُعْدٍ فتقتل غيظاً كل يوم ألف مرة ثم تذهب إلى غيبوبتها الكبرى مع الجمادات كما كانت! والحياة إذاً بلا قصد أو غاية، والرؤوس الإنسانية إذاً تفرز التفكير كما تفرز الكبد الصفراء، أو كما يفرز ذيل العقرب السم!
سلام لك أيتها النفوس المعذبة مما أنت فيه وإنه لعذاب غليظ!
إن الإلهام الذي فيك من الخالق يناديك: أنت المقصودة بالخلق في الأرض. . . أنت خالدة. . .
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين. لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ولكم الويل مما تصفون)
ثم مادام كل ما في الفلسفة فروضاً لا تدخل في قليل أو كثير إلى العلم اليقيني، فما بالنا نترك الإيمان بوجود مصير رفيع للإنسانية على أنه فرض فلسفي؟ إنه أصح الفروض وأصلحها للحياة الدنيا وادعاها إلى الإصلاح المستمر المخلص.
وهنا دليل ينبع ويستنبطه العقل من بين ما أقول: ذلك أن أقرب الفروض إلى الحق في الدنيا هو ما يدعو إلى صلاحية النفس للحياة وإصلاحها لها، وما يحل به أكبر مقدار ممكن من المشكلات، وما صح تطبيقه على وجه الشمول بين الناس في كل مكان وزمان. ذلك مبدأ تسلم به الفلسفة والعلم ومذاهب الأخلاق.
ومصير الإنسانية إلى حياة أخرى أسمى من هذه الحياة هو ذلك الفرض الذي ينطبق عليه ذلك التعريف السابق، هو لا غيره.
وقد عودتنا الحياة المدنية أنها لا تحترم ولا تبقى إلا ما يتفق مع حفظ قوانينها ويضمن اطراد تقدمها. فمتى خلينا الدنيا من هذا الفرض أمام الإنسان فهنالك تكون الحالفة: حالفة