التطور والتقليد، أو التجديد والمحافظة، عملان خالدان يعملان جنبا لجنب ويتنازعان كل كائن حي من فرد أو مجتمع أو نظام أو نحوه. فهما يتنازعان كل أدب حي؛ وقد كان لكل من الأدبين العربي والإنجليزي نصيب من كليهما، غير أنا إذا دققنا النظر رأينا أن الأدب العربي كان أوفر حظا من التقليد أو المحافظة أو الاتباع، بينما كان الأدب الإنجليزي أوفى نصيبا من التطور والتجديد والابتداع
تطورت لغة الأدب الإنجليزي وأسلوبه: فهما اليوم يخالفان ما كانا عليه في عهد شكسبير مخالفة كبيرة، وتطورت أغراضه عامة: فصار اليوم أشد اتصالا بالمجتمع أخذا منه وتأثيرا فيه، وتطورت أشكاله: فظهرت فيه على التتابع المقالة الدورية والصورة والترجمة والقصة الطويلة والقصيرة
وتتابعت مذاهبه: فخلت المدرسة الرومانسية التي ازدهرت في عهد اليزابث، وكان شكسبير وسبنسر من أينع ثمراتها؛ وكان الخيال ووقاع البطولة وحياة الملوك والأمراء والقواد وقصص الأولين وخرافتهم مداد نظمها ونثرها؛ وتلتها المدرسة الدينية التي أطلعت ملتون وبنيان اللذين كانت أمور الدين وأخبار البعث والحساب والخلود مدار كتاباتهما؛ ثم كانت المدرسة الكلاسية في القرن الثامن عشر فافتتن زعماؤها في الشعر أمثال درايدن وبوب، وفي النثر أمثال أديسون وستيل، بمحاكاة الآثار الكلاسية القديمة من إغريقية ولاتينية في حسن الصياغة وإحكام الأسلوب؛ ثم أعقبت هذه مدرسة رومانسية أخرى في مستهل القرن التاسع عشر كان من أقطابها وردزورث وشلي وكيتس، فنبذت الاهتمام بتنميق الأسلوب وأطلقت لخيالها العنان؛ وفي أواسط ذلك القرن قامت المدرسة الواقعية تحد من ذلك الخيال الجامح وتربطه برباط الواقع، وكان من رجالها تنيسون ثم هاردي.
وكانت كل مدرسة من هذه المدارس الأدبية مرآة للحياة في عصرها: فمدرسة شكسبير كانت مرآة عصر الاستكشاف الجغرافي وكشف كنوز الأدب القديم، والمخاطرات والمغامرات في الكشف والقتال. ومدرسة ملتون الدينية كانت مرآة عصر التشدد الديني