(. . ما ظننتم أن يخرجوا، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)
- ١ -
ماذا في دمشق؟ ففي كل ميدان فيها عرس، وفي كل حي فرح، وفي كل شارع مهرجان! ما هذه الزحمة؟ ما هذه الوفود؟ الطرقات كلها مترعات بالناس ما فيها موطئ قدم، وحيثما سرت تر قباباً من الزهر وستائر من الحرير، وعلى دمشق سماء من صغار الأعلام ومصابيح الكهرباء، قد أنتظمتها حبال فدارت بها، ثم انعقدت على أشكال العقود والتيجان، فكانت منظراً عجباً، إذا رأيتها في الليل حسبت السماء قد ركبت فيها، فسطعت كواكبها ولألأت نجومها، وإذا أبصرتها في النهار ظننت الربيع قد عاد مرة ثانية، فكان كل شارع روضة فتانة، ضرب فيها موعد حب، وكل بناء عريشة ورد وفل وياسمين. . . وأغلى الطنافس مبسوطات على الجدران، وأحلى الصور معلقات على الطنافس، والسيوف المذهبة والتحف الغالية. . . ما يضن الناس بقيم ولا يبخلون بثمين.
والرايات: السورية والمصرية والعربية السعودية والعراقية واليمانية والأردنية. . . أستغفر الله العظيم، بل هي راية واحدة اتحدت حقيقتها وتعددت ألوانها، لأمة واحدة اختلفت أزياؤها وتناءت أوطانها، فألفت بينها قبلتها وأدناها قرآنها. أمة آخى الله بين أفرادها من فوق سبع سماوات، فأراد الظالمون تفريقها بخشبات ينصبونها على الطرقات، يسمونها حدوداً خسأ الظالمون. . . وخابوا. . . إن بناء تقيمه الله لا تهدمه خشبة نخرة ولا خرقة مرقعة!
لقد أوقد الليلة في دمشق خمسمائة ألف مصباح، ونشر فيها ألف ألف علم، عدت عداً، ورفع فيها مائة قبة من النور يعدو تحت إحداها الفارس من سعتها، ووضع في أرجائها مائة مذيع مصوت، يخرج منه النداء والهتاف والخطاب فيسمع في أقصى الغوطة ويردد صداه الجلمود من قاسيون، ومشت فيها خمسة آلاف (عراضة) وموكب، وأقيمت ألف (دبكة)، ففي كل مكان ازدحام، وعلى كل ثغر ابتسام، وفي كل قلب فرحة، وكل الناس مبتهج