الأمة، ونعلن البراءة منكم في العالمين، كما تبرأ الهنود من المنبوذين، وحينئذ ترون العذاب، وتنقطع بكم الأسباب، وتغلق في وجوهكم السبل والأبواب.
هذه هي النذر التي يراها الأستاذ الزيات ظاهرة في الأفق، رآها بما جعل الله له من نور يمشي به، ويسعى بين يديه وبيمينه، فأنذر الأزهريين (وهم قومه وعشيرته) أنذرهم ما يرصدهم في الأفق من المصائب، وحذرهم ما يرتقبهم وينتظرهم من وخيم العواقب؛ ونصح فأبلغ وأخلص في النصح، فجزاه الله من أخ وفي، ومؤمن صادق أبي. ولقد أعذر إذ أنذر، فعسى ألا نتمارى نحن الأزهريين بالنذر.
أما الخطتان اللتان عرضهما للاختيار، فانهما كما بينت ليس فيهما حظ لمختار. وعسى أن يكون الله مدخراً خيراً منهما للأزهر عنده.
يحيي رفات العظام بالية ... والحق يا مال غير ما تصف
ولعله يرى بما أوتي من نور سبيلاً لا حباً يصل منه الأزهر إلى النجاة والحياة.
وقد وددت لو أن في الوقت سعة لأبين أن الأزهر قد أدى للأمة ما طلبته منه: فهو الذي أعطى الأمة دار العلوم في خير عهودها إثماراً وإنتاجاً حيث كانت تخرج أمثال حفني ناصف وعبد العزيز جاويش. وهو الذي قامت على كواهل رجاله وعقول علمائه وعلومهم مدرسة القضاء. وهو الذي خرج للأمة بل العالم الإسلامي عظماء العلماء والمفكرين أمثال المرحومين الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وأبي خطوة والطويل والبحيري والشربيني وغيرهم ممن لا يتسع الوقت الضيق لذكر أسمائهم. وإنه لم يضق ذرعاً بما أدخل فيه من علوم نافعة فقد أوسع لها صدره حتى صار لا يستطيع أن يتنفس بالمقدار الذي يحفظ كيانه وحياته التي تمكنه من أداء مهمته التي بينتموها في صدر مقالكم. ولعل الأزهر قد قصر في حق نفسه من هذه الناحية.
وددت لو أن في الوقت متسعاً للإفاضة في هذا؛ غير أن حرصي على أن تدرك هذه الكلمة في عدد الرسالة القادم هو الذي يحملني على أن أختم الحديث بإهدائك أكرم التحيات والسلام عليك ورحمة الله.