للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسلب اختصاصه ويعطى تراثه لمن هو أقدر منه على مسايرة الزمن والمشي مع القافلة، فيكون تراث الأزهر نهباً مقسماً بين كلية الحقوق ودار العلوم وكلية الآداب: تستقل الحقوق بالشريعة، وتحمل دار العلوم لواء اللغة، وتضطلع كلية الآداب بدراسة أصول الدين: تدرسها على المنهج الجامعي في التقصي والاستيعاب والموازنة.

وإذا حرك أزهري ساكناً أو نبس ببنت شفة قيل له: صه! لست هناك: لست في العير ولا في النفير، إنما أنت شخص متبطل، تنتمي إلى طائفة معاشيه، يربط بعضها ببعض تحصيل المعاش؛ أو حاجتها هي إلى المعاش؛ فلا هي لنفسها ولا لله ولا للوطن.

لقد جربناك وجربنا أزهرك فلم نجد عندكم غناء، ودعونا الأزهري للسير في ركب الحياة فلم يستجب للداعين نداء، وقال بهير قطع. وسألته الأمة أن يمدها بشيوخ الدين والعربية فعجز ولم يستطع، حتى اضطر أولوا الأمر بسبب عجزه، إلى طرحه ونبذه؛ وأنشئوا دار العلوم لتخرج لهم أئمة في علم اللغات، وابتنوا مدرسة القضاء لتصنع لهم أئمة قادرين على تشريع ما يوافق الهوى والرغبات. فها نحن أولاء ندعوكم أيها الحمقى الجامدون والغلاة المتمردون لتختاروا إحدى خصلتين لكم في كلتيهما هدى وقصد وفلاح ورشد. وليستا كخصلتي الضبع إذ خيرت الثعلب بين أن تقتله أو تمزقه؛ ولكنها خيرة فيها صلة للرحم ورعاية لذمامه وهي أقرب للعدل والتقوى؟ أعرض عليكم لآخر مرة أن تختاروا واحدة من اثنتين: إما أن تقتلوا أنفسكم وتقبروا لغتكم وتتخلوا عن دينكم وتتركوا من زمن دراستكم للغة وللدين ست سنوات تقضونها في دراسة اللغة والدين بالأقسام الابتدائية والثانوية بالمعاهد الدينية وذلك شي يسير لا يتجاوز نصف الزمن المقدر للدراسة في الأزهر وفي المعاهد لنيل شهادة العالمية.

ثم لا تتشبثوا باشتراط حفظ القرآن فيمن تحدثه نفسه بالدراسة فيما يسمى كليات الأزهر فقد علمتم مما قدمناه لكم أن حفظ القرآن لم تبقى له أهمية، ولم يعد ذا صلة بالعقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية، فسوف نكتفي ونستغني عن كل ذلك بما دون في الكتب الأخلاقية والقوانين المدنية.

فإن لم تختاروا هذه ولم تطب نفوسكم بأن تتركوا جمودكم وتقبروا بأيديكم لغتكم ودينكم، فإنكم تكونون قد اخترتم الخصلة الثانية: وهي أن نقتلكم بأيدينا، فنقطع الصلة بينكم وبين

<<  <  ج:
ص:  >  >>