(يا أيها العرب: إن أجبتم دمشق، فافهموا هذا الفصل بعقول جيوبكم، بعد أن تفهموه بعقول رؤسكم، واعلموا أن القليل إلى القليل كثير، والله يجزي والناس تشكر، والساعي في الخير كفاعل الخير، والصديق عند الضيق.)
- ١ -
عادت إلينا الرسالة بعد طول الغياب فيا أهلاً بها نجية النفس وسميرة الفؤاد، ويا مرحباً بمعادها - ويا ليتها تعود معها تلك العهود، حين كانت أقلامنا تجري طليقة من القيود - لم تصبغ بالدم ولم تجعل مدادها من سواد البارود. . . ويا ليت أني حين أكتب اليوم أقدر على اجتناب أحاديث الكوارث والهموم، فلا أقص على القراء أخبارها، وأصف آثارها، فأزيدهم كرباً على كربهم. وحسب الرجل اليوم همه، وما بلد إلا وفيه ما يغمه. . . وما تجمل بنا الشكوى، لولا أنها إلى أخ حبيب. ومن للأخ في الضيق غير أخيه؟ ومن للشام إلا مصر والعراق؟ ومن لمصر إلا العراق والشام، ومن تجمعه بها أخوة الجذم واللسان والإسلام؟ وكيف السكوت وما حل بدمشق ينطق بوصف هوله الجماد لو كان ينطق الجماد، وتفيض له أعين الصخر، لو بكى الصخر لذي مصاب. . .
- ٢ -
كنا نذكر الحرب التي مضت وما حملت إلينا من الجوع والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات، وكيف كان الشعب يموت جوعاً لأن التجار الفجار قد احتكروا خبزه، فذهب من الناس من ذهب، لتمتلئ صناديق المحتكرين بالذهب، ثم لا يجد الأموات قبراً لأن الحرب لم تبق من الرجال من يقدر على حفر قبر. نذكر هذا كله ثم ننظر إلى هذه الحرب فنراها سلاماً علينا وأمناً لم نجع فيها ولم نعر، ولم تنل منا منالاً اللهم إلا ما نالت بأظافر التجار وأنيابهم، إذ جعلوا الواحد من ثمن الأشياء عشراً، وربما بلغوا ببعض الأثمان مائة ضعف. وما قلت السلع ولا تبدلت، ولكنه الطمع والجشع ورقة الدين وضعف الخلق!