بعث إلى المجلة بهذه الكلمة المرحوم الدكتور زكي مبارك قبيل وفاته بأيام يرثي المرحوم الأستاذ علي محمود طه، وقد أخرناها انتظار لأي مناسبة تدعو إلى نشرها والمناسبة اليوم هي حفلة تأبينه التي أقامتها نقابة الصحفيين في هذا الأسبوع وقد وصفناها في غير هذا المكان.
أخي الأستاذ الزيات:
أرجو تكون بخير وعافية، وأن تجد في المنصورة الغناء ظلالا أجده في مصر الجديدة. وأرجو أن تكون تناسيت حزنك على البلبل الذبيح وهو الشاعر علي محمود طه.
آخر العهد به كان وكيلا لدار الكتب المصرية وكنت زميله هناك، وكنت أفرح بلقائه فرح الحبيب بلقاء المحبوب.
أظلمت الدار من بعده، فنقلني معالي الدكتور طه حسين إلى منصبي الأول وهو تفتيش المدارس الأجنبية فاسترحت من رؤية مكتب علي محمود طه خالياً، فقد ذوى الورد الذي كان يضعه في مكتبه كل صباح.
ومع أن الأعمار بيد الله فأنا أذكر أن الشاعر مات بالمرض الذي مات به أبي وهو ضغط الدم، فقد كان أبي لحميا لا يسيغ الطعام بدون لحم، وكذلك كان الشاعر علي محمود طه فقد كان لحميا بصورة تفوق الوصف.
دخلت دار الكتب فوجدت قنديل بك يبكي، وسألت عن السبب فعرفت أن شقيق الفقيد حضر ليخبر الدار أن الشاعر مات، فبكيت أنا أيضاً حتى شرفت بدموعي.
أعطانا المدير إجازة لنشهد جنازته، ولكن أخاه نقلة بسيارة إلى المنصورة وطنه الأول.
بين الكفر والأيمان.
من حق الشاعر أن يكفر بالله، وإن كان من واجبه أن يؤمن بالله، ولا أدري كيف كنت حين نظمت القصيدة الآتية وأنا أخاطب البلبل الذبيح:
يا ماضياً لبلاد ليس يشهدها ... من يرتئيها وجفن العين وسنان