تقدمت جراحة الأبدان تقدما كبيراً ألفه الناس ففتر إعجابهم به إلا فيما تستجد الأيام منه، وكان طبيعياً أن يأتي دور الرأس، ذلك العضو المخوف المرهوب، لتظهر الجراحة فيه من المهارة والبراعة مثل الذي أظهرته في سائر الأعضاء.
وقد بلغ التقدم في هذه الناحية في العصر الحاضر مبلغا قمينا بإعجاب العلم، هواته ومحترفيه، إعجابا قد يبلغ حد الهلع إذا لمح اللامح بعينه داخل حجرات العمليات فرأى تلك الجرأة التي يأتيها الأطباء في تناول المخ الحي حتى كأنه بعض الأحشاء، ورأى كذلك شدة استمساك المخ نفسه بالحياة رغم ما تلعب به تلك الأيدي اللبقة وتقطع منه تلك (المشارط) و (المكاشط).
في عام ١٩٣١ بمدينة كليفليد بالولايات المتحدة، اقتطع الدكتور جيمس جاردنار النصف الأيمن كله من المخ، ومع ذلك صحت المريضة وقامت بعافية! وكانت امرأة في الحادية والثلاثين، ولها ولدان صغيران، عانت داء الصرع عشر سنين، وانتهى بها إلى أوجاع مريعة في الرأس، والى بصر اخذ يتضاءل، حتى أوشك يضيع، كل هذا بسبب خراج داخل جمجمتها كان ينمو فيزداد ضغطه فيكاد يقتلها ألماً. حلق النصف الأيمن من رأسها، ثم أزال الدكتور جاردنار جزءاً من الجمجمة قطره أربع بوصات ونصف، وقطع بطانة المخ فتراءى له شئ غريب نام كالقرنبيط، امتد وتفرع كالسرطان حتى عم النصف الأيمن كله من المخ. أما النصف الأيسر، فقد كان صحيحا سليما، وهو النصف الأخطر لاحتوائه مراكز الكلام والكتابة فضلاً عن سيطرته على النصف الأيمن من الجسم.
كان الدكتور جاردنار يعلم إن حذاقاً من الأطباء قبله حاولوا إزاحة النصف الأيمن من المخ لبعض المرضى، وان الموت كان نتيجة مؤكدة في كل حالة، ومع علمه هذا اقدم على ما اقدم عليه لانه كان المختص الوحيد الذي بقي للتعيسة المسكينة. وبيدين بارعتين لبقتين