عقد الشرايين والأوردة باناشيط محكمة أوقفت نزف الدماء، ثم اخذ يكشط المادة المخية بما فيها الخراج حتى افرغ نصف الجمجمة، وعندئذ ملأ الفراغ بمحلول دافئ من الملح، ثم رد العظمة إلى موضعها، فسد الرأس. ثم أثبتها بالحرير ولم أطراف جلدة الرأس فخاطها، وانتهت العملية بسلام.
وبعد ساعات أفاقت المريضة فتعرفت أصدقاءها وتحدثت اليهم، واسرع شفاؤها، وكانت في نقاهتها تقرأ وتكتب، وذهبت عنها أوجاع الرأس ونوبات الصرع. مع وان ذراعها ورجلها اليُمنيين ظل بهما شئ من تيبس وصلابة، إلا أنها استطاعت أن تمشي، وبعد ثلاثة اشهر ونصف من يوم العملية كانت من الصحة بحيث استطاعت أن تعود إلى ما كانت عليه من العناية بولديها بنفسها.
إن من اغرب خصائص المخ الإنساني مقدرته على الاستفادة من عثرات تخال قاضية. اذكر حادثة من حوادث الحرب الكبرى: جئ بجندي من خط النار، وكانت مقدمة رأسه مرصعةبشظايا قنبلة، فأخرجنا قطعة منها قطرها بوصتان سكنت من المخ مسكنا عميقا بين فصيه الأماميين ولم نجرؤ أن نمس بقية القطع لتباعد ما بينها، ومع ذلك شفي المريض شفاء معجزاً. لم يشل. ولم تصب حواسه بسوء، وكل ما بقي عنده بطء في الكلام ونسيان للمواعيد.
وفي الرابع من يوليو عام ١٩٣٠ وضع يافع في الثامن عشرة من عمره صاروخين مشتعلين في اسطوانة مضخة هواء من تلك التي تستخدم لنفخ إطارات العجلات، فانسفا بشدة عظيمة قذفت بعود المضخة الحديد في رأس الشاب، دخل من قرب عينه اليمنى واخترق مخه حتى برأ من ناحية الرأس الأخرى وجاءه الدكتور (جويل سوانسون) فأعطاه سمماً يقيه كزاز الفك وعقم مانتا من طرفي العود باليود، ثم انتزعه. واشتفى الشاب واستكمل سنة في دراسته الثانوية ولم يتأثر عقله من الحادث أي تأثر ظاهر.
وفي إحدى المصحات الأوربية تسجلت حادثة أخرى غريبة: رجل حذّاء انتابه جنون وفي أثناء إحدى النوبات أراد أن ينتحر فدق المسامير في رأسه وجيء به إلى المستشفى وبرأسه خمسة مسامير طول الواحد منها بوصتان كلها غائرة في المخ. فانتزعها الجراح فصح المريض بعدها وغادر موفور العافية. واغرب من هذا كله قصة فاعل عاش عشرين