وشارفنا حمص والساعة واحدة إلا دقائق، وطالعتنا بعمرانها وسط زروعها وجناتها، ثم دفعت بنا السيارات إليها واخترقتها غير معرّجة، وبودّنا أن نعرج عليها قليلا. وعزاّنا عما فاتنا من منى العين والقلب أنا عائدون إليها بعد أيام فنازلون بها. وجاوزنا حمص إلى سهل واسع محمر التربة تكسو الخضرة آكامه وجباله. وما زلنا نضرب في الأرض صوب الشمال حتى عبرنا العاصي عند قرية عليه ورأينا أولى نواعيره والساعة واحدة وخمس وعشرون دقيقة. وأشرفنا على حماة والساعة اثنتان، فقضينا بدخولها وطراً قديما، فقد مررت بها ثلاث مرات ولم يتيسر دخولها، فأنشدت قول امرئ القيس:
تقطع أسباب اللبانة والهوى ... عشية رحنا من حماة وشيزرا
فاليوم أسعد برؤية حماة بين بساتينها ونواعيرها وهي أكبر نواعير الشام. ولاسيما هذه الناعورة العالية الرائعة التي لا يقل قطرها عن عشرين متراً فيما حزرت. ويقال إنها كانت في مكانها من حماة أيام المأمون العباسي.
نزلنا في المدينة فاستقبلنا حكامها وأعيانها ورجال التعليم فيها في (دار العلم والتربية) وهي بناء قديم جميل فيه من فن العمارة والنقش روائع. دخلنا ساحة فيها حوض كبير في وسطه صورة سبع يتدفق الماء من فمه، وفي جانبه شجرة كبيرة جميلة ترى خضرتها ونضرتها في صفحة الماء. وصعدنا إلى طبقة فيها باحة يتوسطها حوض آخر وعليها عقود جميلة وراءها قاعة من آثار الفن العربي الإسلامي. يستقبل داخلها خرير الماء في حوض صغير توسوس فوقه نافورة جميلة رخامية فيها أنابيب كثيرة تقذف الماء فتخرجه أغصانا متشابكة من البلور، وعلى سقف القاعة وجدرها من النقش والألوان ما يشغل النظر والفكر، وكتب عليها آيات وأحاديث وأبيات من الشعر. ومن المرائي العظيمة الجميلة المصورة على جدرها صورة مدينة حلب وقلعتها، وصورة القرن الذهبي في استانبول.
بنى هذه القاعة أسعد باشا العظم عام ١١٥٣هـ، وجود نقشها نصوح باشا العظم عام ١١٩٤هـ.
وصارت مدرسة منذ خمسة وعشرين عاما وهي اليوم دار العلم والتربية. لبثنا بهذه القاعة