طبيب القرية الذي ضجر بالطب لجهله أسباب الداء ثم ادعائه علاجه؛ الذي شغله البحث في أصول الأمراض عن مداواة أربابها؛ الذي حقق أحلام بستور وأثبت أن المكروب ينتج الأمراض، وأن لكل مرض مكروبا يخصه، ويخصه وحده؛ الذي علم الدنيا كيف تصطاد النوع الواحد من المكروبات، وتصطاده خالصا خاليا من الأخلاط؛ الذي كشف مكروب الجمرة الخبيثة، قاتلة الماشية والإنسان، ومكروب السل قاتل الإنسان والحيوان؛ الرجل الذي كشف مكروب الكوليرا على أرض مصر في أجسام ضحاياها. البطل الذي نزل بساحات الموت فأظلته فيها أرفع بنوده، وقاتلته على أرضها أفتك جنوده، فأسر منها على هواه، وخرج عنها سالما قد أخطأته سهامها قضاء وقدرا
المترجم
كان كوخ قد أعتزم أن يسيح في الأرض ويضرب في مجاهلها ضربا، ثم خاب، وهاهو ذا يبدأ سياحات غريبة في مجاهل أشد غرابة. إني أحيانا أقرن كوخ بلوفن هوك فأجد الأول أعجب وأغرب في صيادته المكروب وأكثر إبهاما، وأجد كليهما على السواء عصاميا في كسب العلم. كان كوخ رجلا فقيرا يرتزق من صناعة الطب، وكل ما عرف من العلم هو ما تضمنته مقررات الطب في مدارسه، وعلم الله ما كان في هذه الدراسة شيء يعلم ممارسة التجارب ويدرب في فن التجريب. ولم يكن لدى كوخ من أدوات التجربة غير ذلك المكرسكوب الذي أهدته إليه زوجه المخلصة إيمي في عيد ميلاده، أما عدا هذا من الأدوات فكان عليه أن يحتال لتدبيره وتصميمه وأن يصنع بيده من قطع الخشب وخيوط القنب وشمع الأختام. وترك يوما مكرسكوبه وفئرانه وجاء زوجه يخبرها في تحمس بالجديد المعجب الذي وجد، فما كان من السيدة الطيبة إلا أن قلصت قصبة انفها في اشمئزاز ظاهر وقالت له: ولكن يا روبرت، إنك كريه الرائحة جدا