بعدئذ وجد طريقة أكيدة ينقل بها مرض الجمرة إلى الفئران. لم يكن لديه محقن يحقن به الدم القاتل فيها في سهولة، ولكن بعد خيبات ولعنات وخسارة عدد طيب من الفئران السليمة، اهتدى إلى أن يأخذ فلقاً من الخشب فينظفها جيدا ثم يسخنها في الفرن ليقتل ما قد يكون عليها المكروبات العادية، ثم يغمسها في قطرات من دم الأغنام التي قتلتها الجمرة، ثم يدخل أطرافها بما عليها من الدم في جرح جرحه بمشرط نظيف في أذناب تلك الفئران. ولا تسألني كيف قبض عليها فسكنها وهي تترعص وتلتوي بين يديه. وكان يضع هذه الفئران في أقفاص وحدها ثم يغسل يديه، ويخرج ليعود طفلا مريضا في سبيل تخليص الذمة، ورأسه لا يزال مليئا بالأشتات من كل شيء:(أيموت هذا الفأر بداء الجمرة. . . . . نعم يا مدام اشميت، يستطيع أبنك أن يعود إلى المدرسة في الأسبوع القادم. . . . . أرجو ألا يكون هذا الدم الملوث بالجمرة دخل إصبعي من الجرح الذي فيه. . .). هكذا كانت حياة كوخ موزعة بين بحثه وطبه
وأصبح الصباح، وجاء كوخ إلى المعمل البيتي الذي صنعه بيده، فوجد الفأر ملقى على ظهره وأرجله إلى السماء، وقد تصلب جسمه وأنتفش شعره ووقف على جلده وكان بالأمس منبسطا على ظهره في ملامسة ونعومة. وبعد أن كان أبيض صار أزرق رصاصيا، فأحمى كوخ سكاكينه في النار، وربط الفأر المسكين على شريحة من الخشب، وشق بطنه فكشف عن رئتيه وكبده، وشرحه حتى وصل إلى كل ركن من جسمه وحدق فيه:(نعم. نعم. إن باطنه يشبه باطن الشاة المجمورة. . . . وهذا طحاله، ما أسوده وما أضخمه!. . . ' نه يكاد يملأ كل بطنه. . . .) وأسرع كوخ وشق الطحال المتضخم فجرى منه الدم الأسود، فأخذ منه قطرات ووضعها تحت مجهره، وتمتم أخيرا لنفسه: (ها هي العصي وها هي الخيوط بعينها. . . . إنها تكاد تملأ دم الفأر كما ملأت دم الشاة (وفرح كوخ فرحا شديدا لأنه أيقن أنه بذلك يستطيع أن ينقل إلى الفئران أمراض الشياة والأبقار والإنسان، والفئران قليلة الثمن، صغيرة في اليد، سهل تناولها عند التجريب. وفي الشهر الذي جاء من بعد ذلك لم يكن لكوخ عمل إلا حقن فأر حي من بعد فأر ميت. يأخذ قطرة الدم من طحال الفأر الميت فيحقناها في ذيل فأر حي صحيح. ثم يصبح الصباح فيجد هذا الفار قد مات من داء الجمرة، فيمتحن دمه فيجد به الملايين من تلك الخيوط المتخالطة والعصي المتكاثرة يجدها