ساكنة لا حراك بها، صغيرة متضائلة لا يزيد طولها على جزء من ألفين من الملليمتر الواحد
وأخذ كوخ يتفكر:(هذه العصي لا حركة فيها، ولكن مع هذا لا بد أن تكون حية. إن قطرة الدم التي أحقن بها الفأر ليس بها غير مئات من هذه العصي، ولكنها لا تلبث في دمه أربعا وعشرين ساعة حتى تكون قد تكاثرت فبلغت البلايين، ويكون الفأر قد مرض بها ومات. . . . ولكن كيف السبيل إلى رؤيتها وهي تتكاثر!؟ كيف السبيل وجلد الفأر لا يشف عما تحته؟!
وأخذ هذا السؤال يرن في أذنه وهو يجس نبض مرضاه وينظر في ألسنتهم. فإذا جاء العشاء أكل عشاه سريعا، وغمغم لزوجته تحية المساء لتنام، وذهب هو إلى تلك الغرفة الصغيرة قد ملأتها رائحة الفئران والمطهرات الكيميائية وأغلقها على نفسه، ثم أخذ يفكر يكثر تلك العصي خارج جسم الفأر. وكان كوخ في هذه الوقت لا يدري شيء عن إحساء الخمائر التي صنعها بستور ولا عن قباباته، أو أن هو درى، فالنزر القليل منها؛ لذلك كانت تجاربه لتكثير تلك العصي تجارب المبتكر الأول، فيها التواء وفيها تعقد؛ كانت كتجارب الرجل الأول يريد أن يصنع لنفسه نارا
قال كوخ: (سأحاول أن أكثر هذه الخيوط في سائل أقرب ما يكون إلى سوائل الجسم، سائل مصنوع من مادة الأجسام نفسها). وأتى بعين ثور وأخرج منها بعض مائها، ووضع في هذا الماء فتيتة كسن الدبوس من طحال فأر قتله المرض. ثم قال:(هذا غذاء لا شك مستطاب لهذه الخيوط، ولكن لعلها تتطلب غير الغذاء الطيب حرارة أجسام الفئران كذلك) وصنع بيديه مدفئا غير جميل وسخنه بمصباح زيت، ثم وضع في هذا المدفأ المرتجل شريحتين متلاصقتين من الزجاج الرقيق كان قد وضع بينهما سائل عين الثور وفتيتة الطحال. وذهب لينام. ولكنه لم ينم. ففي منتصف الليل قام ليخفض فتيلة المصباح بمدفئه، وكان قد ملأه منها الدخان. وبدل أن يعود فينام، أخذ ينظر العصي بين شريحتي الزجاج مرة بعد أخرى. وخال أحيانا أنه يرآها تتكاثر، ولكنه لم يكن على يقين من ذلك، لأن مكروبات أخرى من التي تسبح وتثب وجدت سبيلها بين الشريحتين على عادتها، وزادت في تكاثرها على عصي صاحبنا الدقيقة المهلكة وطغت عليها