قال كوخ لنفسه:(هذا عمل غير نافع! هذه العصي لابد من تكثيرها هي وحدها خالصة نقية من كل مكروب آخر) وأخذ يفكر في الوصول إلى هذا حتى أكده الفكر. وأخذ يحتال ويتدبر حتى صار الاحتيال هما والتدبر غما
وذات يوم تراءت له طريقة يروض بها عصيه وهو يراقبها. طريقة غاية في البساطة غاية في السهولة لا تحتاج للفكر الكثير قال كوخ:(سأضع تلك العصي في، قطرة عالقة، فلا يصلها من المكروبات الغريبة شيء). ثم جاء بقطعة صغيرة رقيقة مفرطحة من الزجاج الرائق، وسخنها حتى يقتل ما قد يكون عليها من المكروب، ثم وضع عليها قطرة من سائل عين ثور سليم قضى عليه الجزار حديثا، ثم غمس في هذه القطرة قطعة غاية في الصغر من طحال فأر مات من داء الجمرة حديثا. وبعد ذلك جاء بشريحة غليظة مستطيلة من الزجاج، كان قد نقر في وسطها نقرة عميقة واسعة، ودهن سطحها مما يلي حافة النقرة بشيء من الفزلين ثم قلب هذه الشريحة الكبيرة السميكة على الأخرى الصغيرة الرقيقة التي عليها سائل العين وطحال الفأر بحيث تقع النقرة فوق القطرة ولا تمسها، فالتصقت الزجاجتين بالفزلين فكانتا كقطعة واحدة. ثم عاد فقلبهما معا في سرعة وحذق فصارت قطعة الزجاج الصغرى هي العليا وتعلقت منها قطرة السائل بما فيها من الطحال وعصيه الكثيرة، وقد انحبست في تلك النقرة انحباسا كاملا فلا تستطيع المكروبات الأخرى الدخول إليها. تلك هي (قطرته العالقة). ولعل كوخا لم يقدر كل التقدير هذه الطريقة الجديدة، ولم يدرك كل الإدراك مكانها من تاريخ بحث المكروب ومحاربة الإنسان أسباب الموت. وسواء قدرها أو فاته تقديرها فقد كانت ساعة من أخطر الساعات تلك التي أخطرت هذه الفكرة على باله، ساعة لا يعدلها إلا تلك التي رأى فيها لوفن هوك أحياءه الصغيرة في ماء المطر أول مرة
ووضع كوخ (قطرته العالقة) تحت مكرسكوبه وجر كرسيه وجلس وهو مضطرب ينظر ما تكشف له العدسة وهو يقول لنفسه: (لا يستطيع شيء أن يدخل إلى تلك القطرة، وهي ليس بها إلا العصي، فلأرقبها علي أعلم من أمر نموها شيئا، فكشفت له العدسة عن مجال أغبر لم يجد فيه غير قطع الطحال وقد نسلت وتقطعت وتراءت ضخمة تحت المجهر، وغير عصية هنا وعصية هناك طافية بين نسائل الطحال؛ وظل ينظر ساعتين، وينظر في