كانت جلسة مجلس الأمن في يوم الأربعاء ١٠ سبتمبر ١٩٤٧ هي الحكم الفاصل في قدر هذا المجلس وفي بيان قدرته على فض النزاع الذي ينشب بين الدول صغيرها وكبيرها. وكان ظن الذين دعوا إليه وأنشأوه - أو كانت دعواهم - أن هذا المجلس قد أنشئ ليكون فيصلا في الخصومات التي يخشى أن تفضي إلى حرب، وأنه هو المهيمن على السلام وحفظه في هذا العالم المائج المتدافع. فجاءته قضية مصر والسودان، وليس في قضايا الدنيا كلها ما هو أوضح منها وأبين، ووجه العدل فيها ظاهرة لكل ذي عينين عمشاوين فضلا عن عينين بصيرتين، ومع ذلك كانت كل جهود هذا المجلس العجيب أن يقول للمتخاصمين: اذهبا فاطلبا شيئاً تصطلحان عليه! وليس في الدنيا ما هو أعجب من هذا، متخاصمين أعجزهما أن يجدا للصلح مكاناً بينهما، فيقول لهما الحاكم الوازع: اذهبا فاطلبا صلحاً!!
ونحن لا نريد أن نطعن في هذا المجلس، ولا أن نقول أنه شيء لا قيمة له ولا غناء فيه، ولا أنه أوشك أن يصبح سبباً في فساد العالم ودافعاً جديداً لتقريب ساعة الحرب، ولا أنه كشف عن قدر من العجز يحل للناس معه أن يطلبوا حله ويسرِّحوا وفود الأمم المشتركة فيه إلى بلادهم، لا نريد شيئاً من هذا، بل نرى أنه مجلس لابد من بقائه على ما هو عليه، ولابد من ذهاب كل دولتين متخاصمتين إليه، فإنه يتيح للمظلوم أن يفضح ظالمه ويكشف عن آثامه التي يسترها عن العالم بالأكاذيب والتمويه.
ولكن كل ما نريده هو أن يتفضل هذا المجلس بأن ينفى عن نفسه نقيصة الغش والخداع، فإنه أنبل وأعظم من أن يرتضيهما لنفسه، فقد زوّر عليه الذين أنشأوه فوضعوا له اسماً لا يناسب جلالة قدره ولا حقيقة معناه، وألصقوا به شيئاً ليس من الإنصاف أن يلصق به، وهو المحافظة على الأمن العالمي الذي يقتضي أول ما يقتضي أن تتساوى الدول المشتركة فيه في السيادة على الأرض التي يشملها اسم الدولة، حتى لا يقع التنازع بين سيادة وسيادة، فيختل التوازن ويصير الأمن العالمي مهدداً بالزوال.
ونحن نقترح أن يسمى هذا المجلس (مجلس الأجاويد)، وقد اخترت هذه التسمية لقصة