للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

الرحلة

في الأدبين العربي والإنكليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

كان الإنسان رحالة قبل أن يكون ذا وطن: كان يهجر جماعات جماعات بقاع الأرض الشحيحة ويقصد أصقاعها الخصيبة ووديانها الكريمة، طلباً للقوت والتماساً للغنم؛ فلما استقر في الأوطان والمساكن لم يستغن في حياته عن الرحلة، بل ظل يحفزه إليها ابتغاء الرزق تارة، وحب الاستطلاع والمتعة أخرى، وشهوة الغلب والفتح طوراً، ونشدان العلم آنة، وأداء مناسك دينه حيناً، والفرار من الظلم أو الذل أحياناً؛ وامتازت عصور نهضاته خاصة باشتداد حبه للرحلة: فإذا ما مشت نسمة الحياة بين الأمة، وتنبهت فيها ثقتها بنفسها، وامتلأت روحها بحب العمل والإقبال على أسبابه، تطلعت دولتها إلى الخارج تبسط سلطانها عليه، وراح أفرادها في أثر جنودها يبتغون الرزق ويتوسمون وجوه المعرفة، ويهجمون على ظواهر الكون وخفاياه

تلك النهضة الروحية التي تهب ريحها بين الأمة، وتدفع أبناءها إلى الارتحال وطلب المغامرة والمجد والعلم، وابتغاء الجديد والطريف، تصحبها عادة نهضة أدبية تعبر عن هذا الروح الوثاب، وتنعكس فيها آثار تلك الرحلات وما تبهر به الأذهان من روعة الكون وعظمته ورحب أقطاره، وما تحدث في العقائد الدينية والعلمية من ثورة، وما توسع به آفاق التفكير من حقائق جديدة وما تدخل في الأدب من عناصر أجنبية تخالط عناصره المحلية، من قصص وأوصاف وألفاظ؛ فيفيد الأدب بذلك كله فائدة كبرى، وينبغ فيه من أعلام النظم والنثر أنداد من ينبغون من أفذاذ المغامرة والقتال والرحلة

عرف قدماء المصريين هذه النهضة المصحوبة بحب المغامرة والاستطلاع على عهد إمبراطوريتهم في آسيا، فامتلأ أدبهم إذ ذاك بقصص الهجرة والمخاطرة والتجوال؛ وإلى أدب ذلك العهد ترجع القصة التي مازالت تتشكل على توالي الأجيال، حتى انتهت إلينا في شكل حكاية علي بابا واللصوص الأربعين. ومشت بين الإغريق روح المغامرة تلك أبان

<<  <  ج:
ص:  >  >>