بدراسة الجمجمة التي وجدت في جزيرة جاوة، إحدى جزائر الهند الشرقية، وجد أنها تشبه جمجمة نوع من القردة، وهو المسمى جيبون وهذا القرد معروف أن نسبة مقاس جمجمته تتناسب تناسبا إطرادياً مع ارتفاعه وحجم جسمه. بمعنى أن مقاس كذا هو لقرد ارتفاعه كذا. . الخ.
فإذا نحن طبقنا هذه القاعدة على تلك الجمجمة التي وجدت خرجنا منها بنتيجة، هي إن ذلك المخلوق الذي تخلفت عنه هذه الجمجمة لابد وأن يكون في ارتفاع قامة الإنسان، على عكس قردة ذلك النوع المشار إليه فإنها لا تتعدى في القامة قامة ابن خمس سنوات من الأطفال.
وإذا لاحظنا أن سطح الجمجمة وعظام محاجر العين وشكلها تعين عدم وجدود جبهة لصاحب تلك الجمجمة، نجد لزاما علينا من ذلك ومن نتائج أبحاث العلماء أن نقول إن هذا الذي يمثل إنسان البليوسين كان عبارة عن قرد كبير، وتبين لنا بعد ذلك من قياس تلك الجمجمة أننا لم نكشف عن الإنسان القرد فحسب، بل كشفنا عن أحط درجة من درجات التطور الإنساني، وإذا كان للإنسان صفات تميزه ويختص بها عن سائر أنواع الحيوان، فإنما هي ذكاؤه وقابليته للتعلم، ثم حدة الشعور، وهذه كلها تأتي من المخ مصدر الشعور والوجدان.
وإن قصة تدرج الإنسان ما هي إلا تاريخ لتطور قواه العقلية. فعند ما كشف الأمر عن جمجمة إنسان النياندرتال عام ١٨٧٥، قال بعض من العلماء إنها بجمجمة أشبه منها بجمجمة الإنسان. لماذا؟. لأنه لوحظ بها البروز الكبير الظاهر في محاجر العين، وهو ما تمتاز به أنواع الغوريلا، كذلك لاحظ أن غطاء الجمجمة الأعلى واطئ منخفض ومفرطح. لكن الكشف الذي تلا ذلك دلنا على المقدرة والقوة الفكرية عند هذا النوع من الإنسان، وهو إنسان النياتدرتال. وأنها قد تفوق كثيرا من الأجناس البشرية في القدرة والمهارة والدقة والجمال في صناعة الأدوات الصخرية النارية.