ولم يجد الدكتور أي أثر في طبقة الأرض التي وجد بين ثناياها الإنسان القرد، وليس هناك ما قد يلقي لنا ضوءا على مقدار ذكاء هذا النوع وقدرته، إلا أنه يمكننا أن نتكهن بشيء من ذلك من حجم فراغ جمجمته التي استطاع الدكتور دبوا أن يصورها لنا.
فأما من جهة حجم المخ فإن الإنسان القرد أو إنسان جاوة (كما سنسميه) يقع تحت أسفل درجة من درجات المخ الإنساني. فالابورجونيز سكان استراليا يتراوح حجم مخ القرد فيهم من ١٣٠٠ إلى ١٤٠٠ سم مكعب، ولو أن هذه النسبة تقل في نسائهم فتصل إلى ١٠٠٠ سم مكعب أو إلى ٩٣٠ سم (كما يبالغ السير وليام تيرنر) ولكي نقول إن الرجل أو المرأة يفكر أو يستطيع التفكير يلزمه مخ لا يقل عن ٩٥٠ سم مكعبا، ولكن أبحاث الدكتور ديبوا دلت على أن حجم مخ إنسان جاوة لم يتجاوز مقدار ٩٠٠ سم مكعب. برغم أن الأستاذ ج. هـ. ماك جريجوري يرتفع به إلى ٩٤٠ سم مكعبا. وهكذا نرى أن الإنسان المذكور لم يكن ليستطيع التفكير الصحيح كما نراه أو كما نعقله، إلا أنه قد اقترب وسار على عتبة باب الإنسان الحق بتفكيره وقوته العقلية.
وإذا قارنا إنسان جاوة بالغوريلا وجدنا أن حجم مخ الذكر من هذه القردة يبلغ في المتوسط ٥٢٠ سم مكعبا، ولو أنه قد يرتفع إلى ٦٥٠ سم مكعبا أو ينخفض إلى ٤٧٠ سم مكعبا بينما نجده يرتفع إلى ستة أمثاله عن حجم مخ هذه القردة برغم التشابه العظيم بين شكل سقف جمجمة إنسان جاوة وقرد الجيبون.
إلا أن هذا النوع الإنساني وهو إنسان جاوة إذا قورن بالإنسان الأوروبي الحديث وجد بينهما فرق كبير جدا. إذ أن الأخير يزيد في حجم المخ على الأول بما لا يقل عن ٥٦٠ سم مكعبا إذا ما قدرنا للأخير متوسطا قدره ١٥٠٠ سم مكعب.
أما عن حجم مخ إنسان البليوسين فإنه يرتفع كثيرا عن مستوى أكبر أنواع القردة المعروفة، ويصل إلى أسفل درجات الإنسانية، ونصل إلى نفس النتيجة إذا ما قارنا ببين مخ إنسان جاوة والغوريلا، أو مخ امرأة الأبوجيز الأسترالية. وبفحص مخ قرد من القردة لوحظ أن الطبقة الظاهرية منه وهي التي تتصل بالقدرة على السمع والإبصار والحس كاملة التكوين، وأن الطبقة الظاهرية التي تليها وهي التي تتصل بالقدرة على الفهم والتذكر تكاد تكون معدومة التكوين، بينما نجد أنها في إنسان جاوة برغم تناسب أجزائها وأتساعها