للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في الموسيقى]

إلى الأستاذ محمد عبد الوهاب

للأستاذ محمد زروقي

سيدي الأستاذ:

لا أدري إذا كانت أعمالك الكثيرة تسمح لك بتوجيه بعض اهتمامك إلى ملاحظاتي الآتية، كذلك لا أدري إذا كانت وجهة نظري تبدو لك على صواب. وبالرغم من ذلك فأني أحسن الظن بك، وأسجل هنا أني آمل منك أن تتنازل لسماع صوت متواضع من بعيد لشخص من أكثر المعجبين بك والمتحمسين لك.

واسمح لي بادئ ذي بدء أن أوضح لك نقطة هامة راجياً منك العفو وحسن القبول.

وليس لي أن أوجه خطابي الجريء إلى الأستاذ محمد عبد الوهاب الذي ليس لي شرف معرفته المعرفة الكافية، ولكني أوجهه إلى فناني المفضل، إلى ذلك الذي كثيراً ما استمع إليه، إلى ذلك الذي يستطيع - كصديق حميم - أن يفتح لي قلبه بكرم فأرى وأميز قلبي منعكساً عليه.

وهنا يخيل إلى أن معرفتي الدقيقة بالفنان - وهي ترجع إلى مدة بعيدة - تحتم علي ألا أخفي عنه شيئاً، وإلا كانت بمثابة خيانة له. كما يخيل إلي أن تبادل الشعور يجعل لي الحق، وربما يتطلب مني البحث عن شئ من أخطائه والاحتجاج على بعض وسائله.

بعد ذلك أبدأ - إذا سمحت لي - بأن أعبر عن الأسف الذي يعتورني عندما اسمع بعض مقطوعاتك المشهورة مثل (في الليل) و (اللي انكتب) باللهجة المصرية، في حين أن لغة امرئ القيس والمتنبي هي التي كان يجب استعمالها إذا كنا نود أن نهدي إلى أحفادنا مثل هذه الأعمال الخالدة. فذلك الذي أودع (يا جارة الوادي) في أسطوانة يجب ألا يتقيد بحدود البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وأن يظل ضمن الحدود التي اختطها الفراعنة (فماذا تهم الزجاجة نفسها ما دامت تسكرنا؟) وإني أشارك (نيتشه) رأيه الذي يقول بأن العاطفة يجب أن يعبر عنها الصوت دون غيره، وألا نعطي للكلام أكثر مما يستحق من الأهمية، ولذلك فأنني أعطي للموسيقى نفس المرتبة التي يضعها فيها المفكرون: تلك المرتبة التي تحلها محل الكلمات العاجزة عندما تكون هذه الأخيرة فقيرة وقاصرة أمام

<<  <  ج:
ص:  >  >>