للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بودلير وفن الشعر]

للأستاذ عبد الفتاح الديدى

يرتكن الأساس الوضعي للنقد الأدبي عند كتاب الغرب إلى أمرين: نظرية في الجمال ونظرية في الخيال. فهاتان النظريتان بمثابة العمود الفقري عند الغربيين في كل نقد أدبي، ويكونان المحور الأصلي الذي تدور حوله الأقوال وتنبعث منه الأحكام. وبتوالي الأيام نشأت في نفوسنا عادة البدء بالسؤال عن هذين الجانبين عند الإطلاع على مؤلف في الأصول النقدية أو عند الوقوف على استعراض أدبي للمذاهب. وإذا كنت أحاول التقديم بهذه الملاحظة فلأنني أحب أن أوجه أنظار النقاد في مصر إلى أن عملهم لن يكون ذا قيمة أو اعتبار ما دام منحصراً في تلك الدائرة المقفلة دائرة التعليق الخالص.

فهكذا عودنا نقاد الغرب واستطعنا بذلك أن ندرك الأغوار البعيدة التي تسند كلامهم الظاهر وتتعهد أفكارهم الجادية. فإذا ما ساق إليك أحدهم حكما في إحدى مشكلات الفن، قدم له تحليلا وافرا عن النظرية الفلسفية التي يبني عليها آرائه، والبحث النفسي الذي يعتمد عليه في تفسير ما يبديه من الاعتراضات والتوضيحات. فلا يخلو - والأمر كذلك - بحث نقدي من فكرة في الجمال وفكرة في الخيال.

أما فكرة الجمال فمن شأنها أن تربط بين مفهوم الذوق عند الفنان وبين مفهومه عند عامة الناس. إلى جانب أنها تحدد البعد الذي يستند إليه الناقد في تحديد القيمة الأدبية من جانب الشكل والتنغيم. وبذلك تصبح فكرة الجمال موضع الاتفاق الشعوري بين الناس، وملتقى الاحساسات الغامضة في الاستحسان والاستهجان. ثم نلاحظ شيئا آخر وهو أن نظرية الجمال عند الناقد تبرر مسلكه في الاعتراض، وتؤيد مذهبه في المآخذ التي يبديها عند مراجعة الأعمال الأدبية. فأول ما يخطر على ذهن القارئ عندما يقرأ مقالا في النقد الأدبي هو التساؤل عن السبب الذي يجعلك في موقف بالذات لا تكون في سواه، أو الدافع الذي يحملك على إعلان رأيك خاليا من المسوغات أو المبررات. فالفكرة الجمالية عند الناقد من هذه الناحية تغنيه - في الوقت نفسه - عن الشرح والتعليل في كل لحظة من اللحظات التي تمر به وهو بصدد التفنيد والمؤاخذة والوزن.

أما فكرة الخيال فتنفذ إلى أعماق النفس البشرية كما تفسر لنا شيئين على جانب عظيم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>