الأهمية بالنسبة إلى العمل الأدبي. أما الشيء الأول فهو الكشف عن مقومات العمل الأدبي كما هي مطبوعة في نفسية الفنان المبدع، والإعلان عن قيمة الخلق الفني بطريقة من الطرق الخاصة التي انفردت بها مدرسة وتحدد بها اتجاه. كذلك يعين التفسير السيكلوجي للخيال الفني المبدع على تقييد الأديب بطريقة معينة في التعبير عن الأزمات التي تمر به والأهواء التي تنتابه. فالفنان محصور - في هذا النطاق الضيق الذي يهيئه خياله - بآفاق مدارك خاصة. وعلاوة على هذا نستطيع أن نجد في غضون كلامنا عن الخيال ما يبرز لنل ملامح التصور الذهني في العقلية المبدعة، وما يرينا تلك الصلة التي تربط بين خيال الفنان وبين عناصر الطبيعة الخارجية من ناحية التكوين والملاحظة والالتفات.
وعلى الرغم من أننا لا نستطيع أن نرتفع بالاتجاه النقدي عند بودلير إلى حد الحكم على عمله بأنه مذهب متكامل، يمكننا - مع ذلك - أن نجد لديه أساسين من الجمال والخيال اللذين يكفيان لدعم أقواله. فمن ناحية الجمال نشاهد عنده تفصيلا دقيقا لبعض الأمور التي تكون شبكة مترابطة، وتقيم بنيانا متماسكا إلى حد بعيد. فهو أولا يخص الجمال بصفة تعبر عن شخصيته أجمل تعبير، وتوضح طابعه الروحي في الإعداد الشعري والتقويم النقدي سواء بسواء. إذ يقول أن الجمال لا يمكن أن يكون مطلقا وأبديا، ويلزمه الارتباط بالحياة اليومية والأشياء العامة حتى يتمثل ويصير حقيقة من الحقائق. فالجمال الخالص أسطورة من الأساطير لا يعرفها العمل الأدبي إلا إذا كانت متعلقة بالجزئيات الحاصلة في مجرى أمورنا العادية.
وبذلك ينتهي الجمال إلى أن يكون عملا نسبيا في كل الأحوال ما دام الاختلاف قائما في نماذج الحياة تتأثر بالزمان والمكان. وفي رأي بودلير أن هؤلاء الشعراء الذين يطلبون الجمال المطلق، وينشدون البدعة الخالدة ليسوا إلا شيعة من المفتونين. فكل زمن وكل جماعة - كما يقول - لها تعبيرها الخاص عن الجمال في نظرها. ولا بد للشاعر أن يسعى حثيثا كيما يحقق مثلا للجمال في نفسه يلائم أوضاع العصر ويساير ركب الزمن ويفي بما للبيئة عليه من الآثار والأفضال.
ومن أهم خصائص الجمال في العمل الأدبي لديه أن يلفت النظر ويثير الدهشة بأي شكل من الأشكال. فلا بد من تحقيق هذه اللفتة وتلك الدهشة بأن يعمد الأديب إلى القواعد النقدية