للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفقر مسألة اجتماعية]

للأستاذ رمسيس يونان

كتب الأستاذ العقاد في عدد مضى من (الرسالة) فصلاً قيماً في مشكلة الفقر كان من بين ما كتب الكاتبون جديراً بالدرس والتحليل

وبالرغم من دفاع الأستاذ العقاد القديم المتواصل عن العامل العاطفي في حياة الإنسان، فلا شك في أنه من رجال الفكر المفتونين بالمنطق العقلي؛ وهذه ميزة في بيئة تعمه في الخرافات والآراء المنقولة والحكم المسطورة. ولكن للمنطق العقلي حدوداً ونقائص، وأولى هذه النقائص أن عرض المشاكل الاجتماعية كما تعرض القضايا المنطقية كثيراً ما يوهم المفكرين بأن حل المشاكل الاجتماعية رهين بحل قضية اجتماعية؛ وليس هكذا يحل المجتمع مشكلاته، وليس هكذا تتطور وتسير الحياة. ونقيصة ثانية تلازم المعتمدين على المنطق العقلي وحده هو نزوعهم في أغلب الأحيان إلى صياغة آرائهم في قالب الحقائق المجردة الثابتة، وليس هناك حقائق بوجه عام - وحقائق اجتماعية بنوع خاص - مجردة عن ظروف الزمان والمكان. فالمجتمع ظاهرة متطورة، ومع تطوره تتطور حقائقه ومثالياته وأحكامه. . . على أن أهم هذه النقائص هو أن رجال المنطق العقلي كثيراً ما يقعون في شرك خدعة نفسية كبرى، فهم إذ يعرضون آرائهم على أنها أحكام مطلقة أو حقائق لا مراء فيها أو بديهيات أولية، لا ينتبهون إلى أن هذه الآراء هي - عن غير وعي منهم - ليست في صميمها غير انعكاس في أذهانهم لصور مادية يحيطهم بها مجتمع بعينه

وأول ما ألاحظه - تفسيراً لما أقول - أن الاهتمام الحديث المتزايد الذي بدأ من كتابنا بدراسة المشاكل الاجتماعية المتصلة بتوزيع الثروات لم يأت عفواً، ولا من شهوة ذهنية طارئة هبطت على عقولهم من عالم الفكر المجرد. . . وإنما هناك حقائق مادية جديدة قد نشأت في المجتمع المصري هي التي انفعلت في أذهان هؤلاء الكتاب وبعثتهم على التفكير فيها وعرض الآراء والحلول؛ وهذه الحقائق - ككل الحقائق الاجتماعية - في حركة وتطور مستمر، وهي لا تتحرك وتتطور تبعاً لما يرتأى لها المنطقيون، بل يفعل مطالب إنسانية تكشفت وتمت إذ مهدت لتحقيقها وسائل مادية جديدة

وعلى ذلك فأنا أعتقد أن الأسلوب الصحيح الذي يجب أن نسلكه في دراسة مشكلة اجتماعية

<<  <  ج:
ص:  >  >>