للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مثل مسألة الفقر، هو أن نبدأ أولاً ببحث هذه الحقائق المادية الجديدة، وقبل أن نبدي الآراء والحلول المنطقية أو غير المنطقية، يجب علينا أن نتبين جيداً الاتجاه الذي تسير إليه هذه الحقائق، وبهذا فقط يمكن أن يصبح تفكيرنا قوة إيجابية مجددة، بدلاً من أن يكون مجرد انعكاس سلبي، قد يعبر عن (إحدى صور المجتمع)، ولكنه لا يعبر عن (الحركة الاجتماعية) في تطورها الخالق

والعقاد - إذ يعتمد على المنطق العقلي - لم يستطع أن يأتي بحكم واحد لا يقبل الجدل

فالفقر عند العقاد، ولكنا لن نعدم أديباً آخر يقرر أن الفقر عقاب، أو أنه تجربة من رب السماوات

ونفهم من كلام العقاد أنه يريد أن يكون ربح الأفراد مساوياً لما يقدمون للمجتمع من نفع؛ وكلمة (المجتمع) هنا خداعه غامضة المدلول، فأي مجتمع يقصد؟ هل يقصد المجتمع الإنساني شمولاً؟ إذا كان ذلك كذلك فالمجتمع الإنساني كما نرى مقسم إلى مجتمعات كثيرة تتضارب مصالحها إلى حد يصل بها إلى حرب شنيعة كالحرب الحاضرة. وعلى ذلك فالرجل الذي يعد نافعاً أكبر النفع بالنسبة للمجتمع الألماني مثلاً قد يعد مجرماً بالنسبة للمجتمع البريطاني. أما إذا كان العقاد يقصد (بالمجتمع) أمة بعينها، فالأمم كما نرى مقسمة إلى طبقات ذات مصالح متعارضة.

فإذا اكتشف عامل مثلاً وسيلة جديدة يلجأ إليها العمال ليرغموا بها أصحاب المصانع على زيادة أجورهم، عد هذا العامل مفيداً أكبر الفائدة بالنسبة لطبقة العمال، ولكنه لن يعد كذلك في نظر الطبقة التي تملك المصانع

والربح عند العقاد منه الحلال ومنه الحرام؛ وليس لمقاييس الحلال والحرام ثبات؛ فلكل مجتمع مقاييسه التي تنشأ معه لتوافق مصالح الطبقة الحاكمة. فاغتصاب ثروات الآخرين بالقوة مثلاً يعد إجراماً في معظم المجتمعات الحاضرة، ولكنه لا يعد كذلك في كل المجتمعات، ولم يكن يعد كذلك في كل العصور، بل هو ما زال يعد عملاً من أعمال البطولة في ساحات الحروب. . .

ويستنكر العقاد أن (يكون الجزاء الوافي حظ الممثل الذي لا يستحي أن يعرض رجولته للفضوليات من المتفرجات)، وقد يشارك العقاد في هذا الرأي قوم كثيرون، ولكنه من

<<  <  ج:
ص:  >  >>