المؤكد أن (الفضوليات من المتفرجات) لا يشاركنه إياه
ومن الحقائق التي لا مراء فيها عند العقاد (أن حياة الإنسان كائناً ما كان انفس من القوت والكساء. . .) فلماذا لا نضيف إلى ذلك أن حياة الإنسان كائناً ما كان هي أنفس أيضاً من سيارة رشيقة، ودار أنيقة، تحيطها حديقة موردة؟. . . فإذا قيل لنا: إن الإنسان يموت إذا حرم القوت والكساء، ولا يموت إذا حرم سيارة أو حديقة، فلنقل: إن الحياة لا تعني عدم الموت فقط، وأن الحياة بغير متعة إيجابية هي والموت سيان
ومن الحقائق أيضاً عند العقاد أن (الأمان كل الأمان خطر على الهمم والأذهان)؛ وهو يريد أن يقول بذلك أنه لو اطمأن كل فرد إلى قوته وكسائه، فقدنا من بني الإنسان العنصر المقتحم المغامر (ومني العالم بخطر من جراء ذلك، هو أخطر عليه من الإجحاف في تقسيم بعض الأعمال، وتوزيع بعض الأرزاق). . .
ولو صدر هذا القول من إسماعيل صدقي مثلاً لعذرناه. . . ولكن الغريب حقاً أن يصدر من العقاد. . .! فكيف يستطيع العقاد الشاعر أن يقول إنه لا تكون مغامرة أو اقتحام إلا حيث يكون طلب الرزق، وإن الإنسان لا يغامر في سبيل غرام، أو في سبيل كشف علمي أو إنتاج فني؟. . . ولماذا لا نقول: إن روح المغامرة إذا تحررت من هموم العيش وأعباء الثروات، فسوف تكتشف لنفسها ميادين وآفاقاً جديدة هي أجدر بعواطف الإنسان؟. . .
ويرى العقاد - كما يرى غيره - أن (العالم مدين للعصاميين)؛ وهذا رأي أقل ما يقال أنه مشكوك فيه. . . فأن عدد الفلاحين الهنود والصينيين يزيد على نصف سكان هذا العالم؛ فهل يمكن أن يقال مثلاً: إن هؤلاء الفلاحين مدينون بشيء للعصاميين؟. . . ولكن لنفرض جدلاً أن هذا الرأي صحيح، فمن الصحيح أيضاً أن نقول: إن الفلسفة والفنون الإغريقية مدينة لنظام الرق. . . وإن الديمقراطية الإنجليزية مدينة للفقر المدقع الذي يعانيه فلاحو الهند. . . فلولا وجود العبيد عند الإغريقلما استطاع (السادة) أن يتفرغوا للتفكير المجرد والبحث عن المثل العليا، ولما ازدهرت عندهمفلسفة أو فنون. . . ولولا الأجور المنحطة التي ينالها فلاحو الهند لما أمكن المستعمر أن يربح هذه الأرباح الطائلة التي بدونها لما يتيسر للحكومة الإنجليزية أن تتقدم لعمالها بمشروعات الإصلاح وبالإعانات والهبات الكثيرة. ولكن لولا هذه الإعانات والهبات لانتظرنا أن تنشط بين العمال الإنجليز الحركة