من عادة المربين والمصلحين أن يكثروا من اللوم والتثريب على أبناء الجيل الجديد، ليصوروا عيوبهم تصويراً يخوفهم عواقب التهاون والتفريط في حقوق الأدب والأخلاق
وتلك وسيلة صحيحة من وسائل التهذيب ورثناها عن الأسلاف، ولا بأس بالاعتماد عليها من حين إلى حين، إذا سلكنا في الدعوة إلى الأدب والأخلاق مسلك الترهيب، وهو مسلك مطروق منذ أجيال طوال
ولكن التجارب علمتني أن الترغيب أنفع من الترهيب، ومن تلك التجارب عرفت أن التنبيه إلى القوى الغافية في صدور الشبان قد يدلهم على حقائق أنفسهم فينقلهم من حال إلى أحوال
والحق أن الشاب المصري خلق ليكون رجلاً عظيماً، ومهما أسرفنا في سوء الظن بشبان مصر، فمن المؤكد أنهم بالإضافة إلى أمثالهم في الشرق والغرب أفضل وأشرف، ومن النادر أن تجد شاباً مصرياً بلا آمال تضيفه إلى أكابر الرجال، ولذلك شواهد يعرفها من يتصل بشبان (مصر) عن طريق الصحافة أو التأليف أو التدريس
الشاب المصري يبحث في كل لحظة عمن يدله إلى طريق المجد، ولو نشرت الصحف إعلاناً عن كتابين يختص أحدهما بوصف حياة الهزل والمجانة، ويختص ثانيهما بوصف حياة الجد والرصانة، لكان الكتاب الثاني هو الكتاب المنشود، لأن شبان هذه البلاد مفطورون على احترام الأدب السليم من شوائب الأمراض
وآية ذلك أن الذاتية الأدبية تجد أنصاراً من الشبان في كل وقت، وهم يتحمسون لها تحمساً لا يخطر في البال، وقد يتسامعون بمقالة جيدة، فيجدون في البحث عنها جداً يشهد بأنهم من أكابر أهل الأذواق والعقول
أكتب هذا وقد فاضت عيناي بالدمع حين تلقيت خطابات كريمة تصور فرح الشبان بالحديث عن أمجاد مصر المحروسة في القديم والحديث، وهم شبان كان التاريخ المغرض حدثهم أن مجد مصر ليس إلا أسطورة من أساطير الأولين