للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[طبعي لا طباعي ولا طبعي]

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

لما بدأ العربيون منذ أكثر من ألف سنة يؤلفون وينقلون علوم الأمم واحتاجوا إلى النسبة إلى الطبيعية - قالوا: (الطبيعي) وقد شذ هذا النسب كما شذ النسب إلى السليقة. ولم يخطئ القوم في نسبتهم هذه أحد. وجاء (الطبيعي) في كلام الأديب واللغوي كما جاء في حديث المتكلم والفيلسوف: وإذا نسب أبوا حيان في (المقابسات) إلى (الطباع) كما ذكر العالم الباحث الأديب الأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي - فما أكثر نسبته إلى الطبيعة ففي (مقابساته) في ص ٣٣٣: (فإنه ليس من معلول طبيعي ولا صناعي تنقطع عنه علته إلا فسد وباد) وفي المناظرة بين السيرافي والقنائي التي دبجتها يراعته وبراعته: (فكيف يجوز أن يكون ها هنا شئ يرتفع به الاختلاف الطبيعي والتفاوت الأصلي) (وإنما الخلاف بين اللفظ والمعنى أن اللفظ طبيعي والمعنى عقلي).

فالنسبة إلى الطبيعة هي النسبة المتقبلة المستجادة. وكافيك أن نابغة العرب واللغة والأدب أبو العلاء يقول في إحدى رسائله: (ولا يقل سيدي أدام الله عزه قد قصرت الشعراء قديمها ومولدها، وأولها السالف وآخرها، وفصيحها الطبيعي ومتكلفها، فإنه لو استعمل ضرورة غير تلك لقبلت حجته. . .) وأن اللغوي العظيم أبن سيده يقول في مقدمة مخصصه: (. . . وإن أرادوا تسمية جزء منه أشاروا إلى ذلك الجزء فقالوا: عين أنف فم ونحو ذلك من أجزائه التي تتحلل جملته إليها، وتتركب عنها. فمتى سمعت اللفظة من هذه كلها عُلم معناها وصارت له كالسمة المميزة للموسوم، والرسم المحتاز لما تحته من المرسوم، وكالحد المميز لما تحته من المحدود، وإن كانت تلك الإبانة طبيعية وهذه تواضعية غير طبيعية) (فإذ قد بيّنا ما اللغة أمتواطأ عليها أم موحى بها وملهم إليها فلنقل على حدها لأن الحد طبيعي. . .).

فهذان الإمامان الحجتان ينسبان إلى (الطبيعة) ويقولان (الطبيعي) فمن وجدناه اليوم قد نسب إلى (الطباع) لم نستنكر نسبته ولم نلمه غير أنا نردد هذا المثل: (امرأً وما اختار. . .) ومن آلم آذننا وعيوننا ب (الطبعي) و (البدَهي) عَوْذٌ بالله، عوذ بالله! - وقد استمرت العربية تقول: (الطبيعي والبديهي) ألف حول غلَّطناه ورأيناه كمن يقول (السلقى) في النسبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>