للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المُروءة مصادرٌ مَطويَة

لِلدكتور بشر فاِرسِ

المروءة (أو المروّة) من الألفاظ التي يكثر ورودها في النصوص العربية القديمة ولاسيما في الكتب التي ألفها أدباء العهد العباسي. وهي، من باب آخر، من الألفاظ المشتبهة في اللغة العربية لتضارب الأقوال فيها وتدافع التعريفات لها. وقد عظم شأنها على تعاقب الأيام حتى تناولها المتكلمون والمتصوِّفة فنزلت منزلة الفضيلة بل منزلة مبدأ (أخلاقي). وذلك ما دفع بعض المستشرقين والشرقيين أن يعدوها، وهماً، رأس الفضائل الجاهلية

والذي يبدو لي أن المروءة أفادت، أولّ أمرها، الرجولة الحسية أي شدة الأسر، ثم الرجولة المعنوية أي السجايا الرفيعة، سجايا السيد مثلاً. ولذلك قرنها نفر ممن تكلموا عليها بالسيادة أو السؤدد. وهذان المفادان: الحسي والمعنوي، ظلا يتنازعان المروءة، فاتصل الأول بالحياة المادية ولحق الثاني بمكارم الأخلاق. وقد غلب الجانبُ المعنوي الجانبَ الحسي بفضل الإسلام. (وهنالك أحاديث غير صحيحة في المروءة وعظمة شأنها) وأخذ ذلك الجانب الغالب ينتقل على مدار الأيام من موضع إلى موضع؛ فدلت المروءة على العفاف والأدب والفضل والإنسانية والسرو؛ ثم قامت لفظاً واقعاً على محاسن جمة، على أقلام المحدثين والمتكلمين والأخلاقيين والفقهاء. وأما المتصوفة فأنزلوها منزلة الفتوة، فتجاورت اللفظتان في ميدان الأخلاقيات المجردة. وقد اتفق لها أن تنحرف إلى هنا وإلى هنا على ألسنة العامة قديماً في الأندلس وحديثاً في مصر والشام

كل هذا الحديث مع ما تحته من التفصيل والتبيين تجده في فصلٍ من فصول كتابٍ من هذا القلم يخرج باللغة العربية بعد أيام، وعنوانه (مباحث عربية) وعنوان الفصل (المروءة في اللغة والعرف). وقد انسقت إلى النظر في هذه اللفظة يوم كنت أؤلف (العرض عند العرب الجاهلية) ثم انصرفت إلى استجلاء غوامضها وتمحيص مدلولاتها باستقصاء المصادر والمراجع فنشرت فيها فصلاً في (تكملة دائرة المعارف الإسلامية) البارزة في هولندة (الجزء الرابع)

وأما هذه المصادر والمراجع فمتشعبة غزيرة، فيها المطبوع والمخطوط؛ وفي القراء من أصاب في كتب الأدب أشباه (العقد الفريد) (وعيون الأخبار) و (الموشي) و (أدب الدنيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>