مضت عشرة أعوام كاملة على وفاة الموسيقي الإيطالي الأشهر جاكومو بوتشيني، فقد توفي في ٢٩ نوفمبر سنة ١٩٢٤، ولكن اسمه وفنه وموسيقاه ما زالت تملأ الأذهان والأسماع. واليوم تذكر دوائر الفن والموسيقي بوتشيني، وتكتب عنه وعن فنه الفصول والبحوث الفياضة.
وكان مولد الموسيقي الكبير في سنة ١٨٥٨؛ ودرس على أكابر أستاذة عصره مثل بازيني وبانكيلي، ولبث مدى عصر أعظم شخصية في الموسيقى الإيطالية والموسيقى الغربية بصفة عامة، وكان يشغل في إيطاليا نفس المركز الذي كان يشغله معاصره فاجنر في ألمانيا، ويوهان شتراوس في النمسا. ويعتبره النقاد الفنيون ثالث أقطاب التأليف الموسيقي في العالم كله، فأولهم فاجنر، وثانيهم فردي، وهو الثالث. وقد نالت أوبراته الموسيقية شهرة عظيمة، ولا سيما (مانون لسكو) و (البوهيمية) و (لاتوسكا) و (مدام بترفلاي) وهي تجمع إلى نزعة روزيني وفردي الغنائية، نزعة حديثة إلى التعبير؛ وكان بوتشيني موسيقي الحب المعذب، وأروع قطعه ما كان يمثل القلوب الكليمة البائسة؛ ذلك لأنه كان في حياته الغرامية منكوداً معذباً، وكان دائماً طائر القلب والعواطف، لا يكاد ينضج في قلبه غرام، حتى يسارع إلى غرام جديد. وكان صعب الرضى فيما يتعلق بالنصوص، لا يكاد يعجبه نص مهما كان من الروعة، ولهذا كان يجوب القارة باحثاً عن النصوص المختارة لتلحينها، وقد غضب يوماً إذ أفلت منه قطعة لبيير لوئيس انتزعها منه الفرد برينو، وأفلتت منه أيضاً (بلياس ومليزند) لماترلنك، ولكنه ظفر (بتوسكا) وهي من تأليف فكتوريان ساردو، بيد أنه لم يكن راضياً عنها كل الرضى، وقد ألف لها بعض أناشيد من عنده، ويروى أنه اضطر (اليكا) مؤلف (البوهيمية) إلى حذف مناظر برمتها، وتغيير كثير من النصوص. وقد تزوج بوتشيني من مدام (الفيرا بونتوري) بعد فضيحة غرامية طويلة، وكانت الفيرا زوجة للسنيور بونتوري، ولكنه هام بها رغم زواجها، وبادلته الحب، وحملت منه، ثم فرت إليه، ولم يستطع أن يتزوجها إلا بعد وفاة زوجها. وكان بوتشيني مع ذلك يبحث عن مخاطرات غرامية جديدة كلما أصابه السأم، ثم يعود يائساً فيرتمي بين أحضان الفيرا