للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[دانتي الليجيري والكوميدية الإلهية وأبو العلاء]

[المعري ورسالة الغفران]

نفينا في كلمة سالفة أن يكون دانتي الليجيري قد تأثر في كوميديته برسالة الغفران لأبى العلاء، ورجحنا أن يكون قد احتذى ملحمة (الأنّييد) للشاعر الروماني الخالد فرجيل، وأن تكون ثقافته الكبيرة واطلاعه الواسع على الأدبين المسيحي والإسلامي، ثم إلمامه بالأدب الإغريقي القديم قد شقق له فجاج الخيال فاستطاع أن يضفي على كوميديته ظلالاً عبقرية جذابة من أشتات هذه الثقافات. فمن الأدب المسيحي استمد إيمانه الذي تفيض منه الكوميدية، واقتبس من رؤيا يوحنا اللاهوتي أمواهاً لون بها فصوله؛ ومن قراءاته الإسلامية - وأهمها القرآن - أفترض أخيلةً للجحيم خصبة قوية ارتفع بها إلى ذروة الأدب السامي الرفيع. . . أما من الأدب الإغريقي القديم فسنرى أن دانتي - أما بالذات وأما بالوساطة - قد قبس قبسة أسطورة أورفيوس وقبسة أخرى من هرقل وقبسات غير هذه وغير تلك من الأساطير التي تتناول الدار الآخرة (هيدز)

على إن ملحمة الانييد لفرجيل هي التي أوحت إلى دانتي فكرة الكوميدية. وقد رجعنا إلى الفصل الطويل الممتع الذي كتبه (بوكاشيو) عن مواطنه، وقرأنا كذلك ما كتبه الأستاذ فلبو فللاني في مجموعته وما كتبه الأستاذ العلامة ج. أ. سيموند عن دانتي، والمقدمة التي كتبها إدمند. ج. جاردنر للكوميدية (ترجمة كاري سنة ١٩٠٨)، ثم الفصل الطريف الذي عقده الأستاذ رتشارد جارنت عن دانتي في كتابه (تاريخ الأدب الإيطالي ص٢٤ - ٥٢) فتأكد لنا إن دانتي كان معجباً إلى غير حد بالشاعر الروماني فرجيل وأنه كان يحفظ الكتاب السادس من الأنييد عن ظهر قلب، وأن هذا الكتاب السادس (الذي سنلخصه للقراء) من الأنييد إن هو إلا صورة مصغرة لجحيم دانتي مع فارق الغاية واختلاف المقصد بين كل من الشاعرين

أما أسطورة المعراج الملفقة التي لفتتنا إليها الرسالة، والتي خال بينها وبين الأساطير التي نحن بصددها علاقة أستاذنا الجليل صاحب (ذكرى أبي العلاء) فلنا فيها رأي سنذكره عند الكلام عن فردوس دانتي وعن جحيمه أيضاً

ولتشعب البحث نرى أن نضع بين يدي القارئ خلاصات موجزة لكل من رسالة الغفران

<<  <  ج:
ص:  >  >>