(شاهدت صورة للرئيس اللواء محمد نجيب يبكي متأثرا حين جاءته أم تحمل طفلها الصغير فوق ذراعيها ومن حولها أبناؤها الثلاثة تشكو له ما تعاني من حزن وما يقاسي أطفالها من بؤس فأوحت إلي بهذا المقال)
لا تموت الدموع إلا في عيون الجلادين القساة، والظالمين العتاة الذين يرتكبون جرائمهم الكافرة من غير أن يخفق لهم قلب أو يثور وجدان، أو يستيقظ ضمير. . . فهم كالوحوش الضارية تعدوا على الفريسة وتمزقها بأنيابها الحادة غير عابئة بالإناث والآهات. . . وهكذا كان الطاغية وأعوانه من السفاحين والإقطاعيين يرون الشعب التعس يكدح في سبيل اللقمة، ثم لا ينال أدنى الغذاء، ولا يظفر بأقل الكساء، ولا يجد ثمن الدواء؛ وهم في لهوهم ومجونهم غارقون، وفي أودية اللذة والضلال هائمون، يرون بأعينهم الأطفال الذين شردهم بغيهم، والصغار الذين يتمهم ظلمهم، والنساء اللواتي ترمن على أيديهم. يرون كل هذا فلا ينبض فيهم عرق بحنان، ولا تجود لهم كف بإحسان، ولا تبض عيونهم الجاحدة المتكبرة بقطرة من دمع، وما يرونه من مشاهد البؤس في الكبار والصغار والشيوخ والنساء يبكي الصخر الأصم. . . ولكنها القلوب التي تتضاءل أمامها الأحجار، ويتعلم الصخر منها دروس القسوة والجمود، (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار. . .)
هذه صورة الأمس المظلم المقيت، الذي ذهب يخزي الطغاة وعارهم، أما اليوم فقد أذن الله الرحمن الرحيم لهذا الشعب الصابر أن يقطف ثمرة الصبر التي أيعنت، وأن يستظل بفيء الحرية التي بسقت وأزهرت، والتي رواها بدمه، وغذاها بتعبه، وصانها بروحه، فخرج من صفوف الشعب القائد النجيب؛ فكان لمصر المنقذ المخلص، والحاكم العادل، والحارس الأمين، والبطل الحبيب، فالتف حوله الشعب المظلوم يشكو إليه ما لقي من عنت وأذى، كما يجتمع الأبناء حول أبيهم يبثونه ما بنفوسهم من جراح وآلام. . . فلم يترفع الرئيس عنهم، ولم يشمخ بأنفه كبرا عليهم، ولم يعتصم بحصن أو يتوارى في قصر، بل مشى بينهم فرحا بهم وفرحين به، يسمع إلى ما يقولون، ويحقق ما يأملون، ويلبي ما يطلبون، باسم الثغر، ثابت العزم، راسخ المبدأ. . . يأتيه المظلوم الصادق فيرفع عنه ظلامته، ويلوذ به