الشيخ العاجز فيخفف من مصابه. . . وتجيئه هذه الأم المحزونة ومن حولها أبناؤها، وعلى وجوههم علائم البؤس، وفي صدورهم لذعة اليتيم، لأن من كان يطعمهم من جوع، ويكسوهم من عري قدمات. . . وتركهم صغارا حيارى يعانون قسوة الأيام، ولوعة الحرمان. . . فيذكر الرئيس البطل أن السماء قد أعدته ليكون أبا لهؤلاء اليتامى ولكل يتيم في مصر فقير. . . فلا يملك قلبه من البكاء، ولا يقوى على حبس الدموع في عينيه!
وكيف لا يبكي؟ وهو الأب الرحيم لهذا الشاب الذي أجاعه ظالموه وأذله حاكموه، وسرق حراسه الأشداء، وروعه طغاته الأقوياء. . . بل أنه ليبكي ويسكب الدموع. . . دموع الحزن العميق والفرح الغامر. . . لأن الله قد اختاره ليمسح ما بالقلوب من أحزان، ويطهر ما بالنفوس من أدران، ويداوي ما تركه الماضي من علل وأسقام. . . وقد أعانه الله فحطم (هبتل) البغي والضلال، وسحق أعوانه وعابديه، فهو يذرف دموع الفرح لما حقق لأمته وبلاده من حياة حرة كريمة. . . فإذا رجع من المعركة الظافرة إلى الشعب رأى ما خلفه فيه المقهورون من مآثم، وما تركوه من مظالم، وشاهد فصولا من البؤس حية لا يقوى على خلقها الخيال. . . فتثور فيه العاطفة الصادقة، ويشيع في أوصاله التأثر العميق، ويخفق قلبه الكبير بالعطف والحنان. . . فيبكي ويذرف الدمع السخين!
رعاك الله أيها البطل
إن هذه الدموع التي تنبع من قلبك الطاهر، وثيقة الرحمة والإخلاص، وبرهان البطولة والإيمان، وهي - لعمري - قصيدة لا يحسنها إلا من وهبه الله قلب ملاك وروح شاعر، ولها في القلوب فعل السحر. . . ويدرك معناها من خبر هذا الضرب من الشعر!