للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب والسينما]

للأستاذ دريني خشبة

استدرك أحد كرام القراء فنشر في الرسالة تعليقاً على مقالي عن صحفنا الممتازة نفى فيه صلاحية السينما للأدب لانقطاع العلاقة بينهما في زعمه، وربما حدا به إلى هذا الرأي ما يظنه من أن الأدب إنما ينبغي أن يكون أسلوباً وتعبيراً كلامياً قبل أن يكون موضوعاً، وإن لم يصرح بهذا في الكلمة التي نشرتها الرسالة له. والعجيب أن يأخذ الكثيرون بوجهة النظر هذه في العلاقة بين الأدب والسينما، ولست أدري ماذا تكون الرواية السينمائية إن لم تكن أدباً يختلف في أدائه من الأدب المسرحي كما يختلف في أدائه أيضاً من أدب القصة. ومعظم المتأدبين العرب ممن لا يعرفون الآداب الأجنبية ينظرون إلى الأدب في هذه الحدود الضيقة التي لا تخرج به عن المقالة أو القصيدة أو العظة القصيرة أو الرسالة أو المقامة أو ما شابه ذلك مما تحويه كتب الأدب العربي، وقد مضت قرون طويلة قبل أن تدخل القصة في أدبنا، وإن تكن قد دخلته هذا الدخول المقدس عن طريق القرآن الكريم والأحاديث القدسية وعن طريق رواية أخبار المتقدمين، تلك الرواية التي هي إلى التاريخ أقرب منها إلى الأدب؛ قلما دخلت القصة في الأدب العربي عن طريق الترجمة في العصر العباسي بكتاب كليلة ودمنة، ثم بكتاب ألف ليلة فيما بعد، لم تحفل بها تلك الطبقة المثقفة التي كانت مشغولة بالعلوم الدينية ورواية أشعار العرب عن كل شيء والتي كانت بعد كل شيء غير العلوم الدينية ورواية أشعار العرب وكل ما يصح أن تؤيد به الكتاب والسنة من فلسفة أو أثر لغوي، عبثاً لا طائل وراءه ولا خير فيه، ولذلك فشا كتاب ألف ليلة بين العامة الجاهلة وانصرفت عنه الخاصة المستنيرة، كما حبس كليلة ودمنة على تأديب أبناء الملوك والخاصة من الوزراء، فلم ينشر في دائرة واسعة من طبقة الأدباء التي كان يحتمل أن تقلد ما فيه أو تنشى على غراره، وتولى أدباء من المصريين والمغاربة تأليف قصص على نهج ما جاء في ألف ليلة، فحشدوا لها أساطير الجن والسحر، وداعبوا بها الغرائز الجنسية، مما يفتتن به غير العامة، ويأنف من قراءته الخاصة، ثم ألفت الملاحم العربية والمصرية على نحو المبالغة والتهويل كان سبباً في استعلاء الخاصة عنها كذلك. وهكذا ظل أدب القصة غريباً على الأدب العربي حتى عصرنا الحديث الذي ترجمت فيه بعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>