للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الديمقراطية والدكتاتورية]

أسبوع محموم. . .

لم يَعُد الناس في هذه الأيام ناساً لهم دين ومدنية وفلسفة، وإنما عادوا

كما بدأهم الله أصحاب غلبة وأثرة وبغي؛ يتخاطبون بلغة القوة،

ويتجادلون بمنطق الذئب، ويتصاولون بعصبية الجاهلية، ويسرف

عليهم الطغيان فينزلون عن نفوسهم المريدة ليكونوا قطعاناً من ألبهم

تسوقهم عصا واحدة إلى المزرعة أو إلى المجزرة!!

هاهو ذا إنسان القرن العشرين ينسى أنه تقدم حتى جاوز حدود الغيب، وارتقى حتى بلغ أسباب السماء، وتعلم حتى هتك أسرار الكون، وتهذب حتى تخلق أخلاق الملائكة؛ ينسى ذلك ويعود فيقف على الصخرة الصماء التي هبط عليها أبواه من الجنة، عاري الجسم من زينة المدنية، فارغ النفس من كرم الدين، مجرد العاطفة من جمال الأدب؛ ينظر إلى فريسته الدامية وفوه يتحلب ريقاً، ورمحه يقطر دماً، وأشباهه من حوله بين مطعون يتوجع، وموهون يتضرع، وموتور يتوعد!!

وقف الحاكم بأمره على منصة هائلة يحملها سبعون مليون رأس، ونظر بعين النسر إلى فرائسه السمان وهن آمنات في حمى القوانين، غافلات في ظلال المعاهدات؛ فثارت الشهوة في نفسه، وعصفت القوة في رأسه، وزأر زئير الأسد المسعور، وفغر فاه الجهنمي الأهرت عن وسائل المنايا الحمر والسود تضطرب في لعابه، وتصطخب على أنيابه؛ فجزعت البشرية، وريعت الديمقراطية، وخنست المدنية، وخرست عصبة الأمم، ووقفت حجج تشمبرلن أمام رغبات هتلر موقف المضخة الصغيرة أمام الحريق المهول، وأصبح العالم كله لأول مرة في تاريخ حياته يهذي في جهاته الأربع هذياناً واحداً من حمى واحدة: هي إعلان الحرب، وويلات الحرب، ونتائج الحرب!

إذن لم يبق لعلاج ابن آدم حيلة! فشرائع الله، ومذاهب الحكماء، ومراشد العقول، ومناهج التربية، لا تجد سبيلها إلى قلبه إلا حين تسكن الطبيعة فيه؛ فإذا ثارت به لسبب من الأسباب كان حاله كحال العواصف والزلازل والفيضانات والبراكين لا تعرف الأرصاد ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>