كان عمرها طاقة أزهار ينتسق فيه اليوم بعد اليوم كما تنبت الورقة الناعمة في الزهرة إلى ورقة ناعمة مثلها
أيام الصبى المرحة حتى في أحزانها وهمومها؛ إذ كان مجيئها من الزمن الذي خص بشباب القلب، تبدو الأشياء في مجاري أحكامها كالمسحورة؛ فان كانت مفرحةً جاءت حاملةً فرحين، وإن كانت محزنةً جاءت بنصف الحزن.
تلك الأيام التي تعمل فيها الطبيعة لشباب الجسم بقوىً مختلفة، منها الشمس والهواء والحركة، ومنها الفرح والنسيان والأحلام!
وشبت العذراء وأفرغت في قالب الأنوثة الشمسي القمري، واكتسى وجهها ديباجةً من الزهر الغض، أودعتها الطبيعة سرها النسائي الذي يجعل العذراء فن جمالٍ لأنها فن حياةٍ وجعلتها تمثالاً للظرف؛ وما اعجب سحر الطبيعة عندما تجمل العذراء بظرف كظرف الأطفال الذين ستلدهم من بعد! وأسبغت عليها معاني الرقة والحنان وجمال النفس؛ وما أكرم يد الطبيعة عندما تمهر العذراء من هذه الصفات مهرها الإنساني!
وخطبت العذراء لزوجها، وعقد له عليها في اليوم الثالث من شهر مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر، وماتت عذراء بعد ثلاث سنين، وأنزلت إلى قبرها في اليوم الثالث من شهر مارس في الساعة الخامسة بعد الظهر! وكانت السنوات الثلاث عمر قلبٍ يقطعه المرض، وينتظرون به العرس، وينتظر بنفسه الرمس! يا عجائب القدر! أذاك لحن موسيقي لأنينٍ استمر ثلاث سنواتٍ، فجاء آخره موزوناً بأوله في ضبطٍ ودقة؟
أكانت تلك العذراء تحمل سراً عظيماً سيغير الدنيا، فردت الدنيا عليها يوم التهنئة والابتسام والزينة - وهو يوم الولولة والدموع والكفن؟