للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واهاً لك أيها الزمن! من الذي يفهمك وأنت مدة أقدار؟ واليوم الواحد على الدنيا هو أيام مختلفة بعدد أهل الدنيا جميعاً، وبهذا يعود لكل مخلوقٍ سر يومه، كما أن لكل مخلوقٍ سر روحه، وليس إليه لا هذا ولا هذا

وفي اليوم الزمني الواحد أربعمائة مليون يوم إنساني على الأرض! ومع ذلك يحصيه عقل الإنسان أربعا وعشرين ساعة؛ يا للغباوة. . .!

وكل إنسان لا يتعلق من الحياة إلا بالشعاع الذي يضيء المكان المظلم في قلبه. والشمس بما طلعت عليه لا تستطيع أن تنير القلب الذي لا يضيئه إلا وجه محبوب

وفي الحياة أشياء مكذوبة تكبر الدنيا وتصغر النفس، وفي الحياة أشياء حقيقية تعظم بالنفس وتصغر بالدنيا؛ وذهب الأرض كله فقر مدقع حين تكون المعاملة مع القلب

أيتها الدنيا؛ هذا تحقيرك الإلهي إذا أكبرك الإنسان!

ويا عجبا لأهل السوء المغترين بحياة لابد أن تنتهي! فماذا يرتقبون إلا أن تنتهي؟ حياة عجيبة غامضة؛ وهل اعجب واغمض من أن يكون انتهاء الإنسان إلى آخرها هو أول فكره في حقيقتها؟

فعندما تحين الدقائق المعدودة التي لا ترقمها الساعة ولكن يرقمها صدر المحتضر. . . عندما يكون ملك الملوك جميعاً كالتراب لا يشترى شيئاً البتة. . .

. . . ماذا يكون أيها المجرم بعد ما تقترف الجناية، ويقوم عليك الدليل، وترى حولك الجند والقضاة، وأمامك الشريعة والعدل؟

أعمالنا في الحياة هي وحدها الحياة، لا أعمارنا ولا حظوظنا. ولا قيمة المال، أو الجاه، أو العافية، أو هي معاً - إذا سلب صاحبها الأمن والقرار! والآمن في الدنيا من لم تكن وراءه جريمة لا تزال تجري وراءه. والسعيد في الآخرة من لم تكن له جريمة تطارده وهو في السموات

كيف يمكن أن تخدع الآلة صاحبها وفيها (العداد)، ما تتحرك من حركة إلا أشعرته فعدها؟ وكيف يمكن أن يكذب الإنسان ربه وفيه القلب؛ ما يعمل من عمل إلا أشعره فعده؟

- ٣ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>