خلق الإنسان بفطرته وغريزته محباً للاطلاع والتنقيب، وهذه الفطرة والغريزة تنشآن لديه منذ ولادته، فإذا رأى الطفل شيئاً نراه يسعى لمعرفة كنهه ومحتوياته؛ فإن كان مثلا ألعوبة آلية يسعى ليطلع على أسرارها، وكثيراً ما يكسرها ليرى السبب الذي جعلها تقوم ببعض الحركات أو تحدث بعض الأصوات. . . وهذه الغريزة ضرورية للإنسان إذ لولاها لعاش عمره ينظر إلى الطبيعة نظرة في الحيوانات لا يفكر في أمرها بل ولا فيما يختص بذاته، ولو بقي على هذا الوضع لعاش حياته عيشة بهيمية يندفع للقيام ببعض الحركات أو الأعمال الضرورية كالطعام والشراب والنوم والخوف والدفاع عن النفس وغير ذلك بدافع خارجي لا علاقة لتفكيره فيه كالجوع والعطش والنعاس والألم وغيره، إذاً فالإنسان عاقل، وعقله دفعه للتفكير، وتفكيره دعاه للاطلاع والتنقيب والاكتشاف والاختراع، لذلك فكر بادئ ذي بدء في نفسه ثم فيما جاوره من الأشياء وفيما رآه قريبا منه وكذلك فقد تأمل في هذه الأرض التي يعيش عليها وباقي المخلوقات كالكواكب والنجوم وغيرها.
العرب وكروية الأرض:
فكر الإنسان في هذه الأرض التي يعيش عليها وينتقل فيها ثم طاف بها إلى مسافات بعيدة عله يصل إلى آخرها ولكن عبثاً ما حاول، فأينما سار وجد الطريق أمامه مفتوحة إن كان براً أو كان بحراً فاعتقد بلا نهائيتها وبأنها مسطحة لا أول لها ولا آخر، وبقيت أمامه هذه العقبة الكأداء زمناً طويلا طلسما مجهولاً ولغزاً صعباً لا يستطيع حلهما. وجاء الإسلام بكتابه المجيد فنقض كثيراً من النظريات البالية التي استصعب حلها زمناً طويلا فقال:(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب). ثم ازدهر مجد العرب وأسسوا مدينتهم الزاهرة وقام فيهم العلماء المتعددون، ودرسوا ما وضع السالفون من النظريات الفلسفية ووافقوا على ما ساير العقل ونقضوا كثيراً من النظريات الأخرى التي تخالفه، وساير دينهم العلم والعقل جنباً إلى جنب، فأسسوا مدينة خاصة بهم تختلف عن باقي