المدنيات وطبعوها بطابعهم الخاص واستطاعوا أن يثبتوا في العصر العباسي فساد الكثير من النظريات كنظرية انبساط الأرض ولا نهائيتها، وقالوا إن الأرض كرة مستديرة تسبح في الهواء شان باقي الكواكب والنجوم المنثورة في الفضاء. وأمر الخليفة المأمون ببناء مرصد فلكي فوق جبل قاسيون في دمشق، وبقيت آثاره حتى دخول الخلفاء إلى سوريا عام ١٩٤١، إذ خربته القنابل أثناء ضرب المراكز العسكرية فوق هذا الجبل، كما أمر بعض الرياضيين بحساب طول محيط الأرض، وقاس هذا المسافة الواقعة بين عاصمة الملك ببغداد ومصيف الخلفاء - الرقة - واستنتج منها طول المحيط. وأنكر أقوام وعلماء آخرون صحة هذه النظرية، فقال بعضهم ببطلانها وانبساط الأرض التي تنتهي شمالا بجبال (قاف)، تلكم الجبال التي كثر حديثهم عنها، ولعلهم يقصدون بها جبال (قاقفاسيا)، لأنها وقفت أمامهم كالحصن المنيع تحول دون أطماعهم في الفتوحات الشمالية لارتفاعها أو لكثرة الهوام والحيوانات المتوحشة فيها
وفتح العرب الأندلس وأسسوا فيها مدينتهم الزاهرة التي ضاهت مدينتهم في الشرق، وأخذ عنهم الغرب العلوم والفنون، فاستنارت أفكارهم بعدما كانت في ظلمة دامسة، وقام منهم الفلاسفة الكثيرون بعضهم يدعي كرويتها والآخر ينكره، وقاسوا في سبيل ذلك مر العذاب، لأن ذلك كان ينافي التعاليم الكنسية التي تؤمن ببسطها، وحبطت الفكرة زمناً طويلا، وحكم على الكثيرين بالموت جزاء لمروقهم من الدين، ولكن بعض الشباب آمنوا بما آمن به أساتذتهم العرب بكرويتها وقاموا بالدعاية الواسعة لها، وكان على رأسهم كريستوف كولومبس الذي استطاع أن يقنع الملك فرديناند وزوجته الملكة إيزابيلا بما مناهما من الفتوحات العظيمة التي ترفع شان مملكتهما الفتية وبالسيطرة على طريق الهند التي يسيطر عليها أعداؤهما المسلمون فيما إذا لاقى مشروعه النجاح. فأقدم هذان الملكان على تجهيزه بما يلزمه من السفن وتزويده بالمؤن والرجال من المحكوم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد طمعاً في إعلاء اسمها في الوقت الذي كان فيه الاعتقاد السائد بأن هذه الطريق البحرية الذاهبة إلى الغرب ستؤدي حتما إلى جهنم حيث تنام الشمس في مهدها. وبعد جهد وعناء وصل كريستوف الهند المزعومة وسماها (جزائر الهند الشرقية)، وعاد منها موقراً بالهدايا الغريبة والنفائس النادرة من حلي وذهب وديكه هندية وإنسان أحمر وغيرها مما لاشى